بذلك لكثرة القتال فيه، ومنهم من يقول: بعد صوان الزبا، وبعد الزبا بائدة، وبعد بائدة الأصم، ثم واغل، وباطل، وعادل، ورنه، وبرك، فالبائد من القتال إذ كان فيه يبيد كثير من الناس، وجرى المثل بذلك فقيل العجب كل العجب بين جمادى ورجب، وكانوا يستعجلون فيه ويتوخون بلوغ النار والغارات قبل رجب فإنه شهر حرام، ويقولون له الأصم لأنهم كانوا يكفون فيه عن القتال، فلا يسمع فيه صوت السلاح، والواغل الداخل على شرب ولم يدعوه، وذلك لأنه تهجم على شهر رمضان، وكان يكثر في شهر رمضان شربهم الخمر لأن الذي يتلوه هي شهور الحج، وباطل هو مكيال الخمر سمي به لإفراطهم فيه في الشرب، وكثرة استعمالهم لذلك المكيال، وأما العادل فهو من العدل لأنه من أشهر الحج، وكانوا يشتغلون فيه عن الباطل، وأما الزبا فلأن الأنعام كانت تزب فيه لقرب النحر، وأما برك فهو لبروك الإبل إذا حضرت المنحر.
وقد روي: أنهم كانوا يسمون المحرّم: مؤتمر، وصفر: ناجر، وربيع الأوّل: نصار، وربيع الآخر: خوان، وجمادى الأولى: حمتن، وجمادى الآخرة: الرنة، ورجب: الأصم وهو شهر مضر، وكانت العرب تصومه في الجاهلية، وكانت تمتار فيه، وتمير أهلها، وكان يأمن بعضهم بعضا فيه، ويخرجون إلى الأسفار، ولا يخافون، وشعبان: عادل، ورمضان:
ناتق، وشوّال: واغل، وذو القعدة: هواع، وذو الحجة: برك، ويقال فيه أيضا: أبروك، وكانوا يسمونه الميمون، ثم سمت العرب أشهرها بالمحرّم، وصفر، وربيع الأوّل، وربيع الآخر، وجمادى الأولى، وجمادى الآخرة، ورجب، وشعبان، ورمضان، وشوّال، وذي القعدة، وذي الحجة، واشتقوا أسماءها من أمور اتفق وقوعها عند تسميتها، فالمحرّم كانوا يحرّمون فيه القتال، وصفر كانت تصفر فيه بيوتهم لخروجهم إلى الغزو، وشهرا ربيع كانا زمن الربيع، وشهرا جمادى كانا يجمد فيهما الماء لشدّة البرد، ورجب الوسط، وشعبان يشعب فيه القتال، ورمضان من الرمضاء لأنه كان يأتي فيه القيظ، وشوّال تشيل فيه الإبل أذنابها، وذو القعدة لقعودهم في دورهم، وذو الحجة لأنه شهر الحج، وأنت إذا تأمّلت اشتقاق أسماء شهور الجاهلية أوّلا، ثم اشتقاقها ثانيا تبين لك أنّ بين التسميتين زمانا طويلا، فإنّ صفر في أحدهما هو: صميم الحروب، وفي الآخر: رمضان، ولا يمكن ذلك في وقت واحد أو وقتين متقاربين، وكانت العرب أوّلا تستعمل هذه الشهور على نحو ما يستعمله أهل الإسلام إما بطريق إلهيّ، أو لأنّ العرب لم يكن لها دراية بمراعاة حساب حركات النيرين، فاحتاجت إلى استعمال مبادي الشهور لرؤية الأهلة، وجعلت زمان الشهر بحسب ما يقع بين كل هلالين، فربما كان بعض الشهور تامّا أعني ثلاثين يوما، وربما كان ناقصا أعني تسعة وعشرين يوما، وربما كانت أشهر متوالية تامّة أكثرها أربعة، وهذا نادر، وربما كانت أشهر متوالية ناقصة أكثرها ثلاثة، وكان يقع حج العرب في أزمنة السنة كلها، وهو أبدا عاشر ذي الحجة من عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فإذا انقضى موسم الحج تفرّقت العرب