الجروي قد غاب على أسفل الأرض فجرت بينهما حروب، ثم مات لثمان خلون من شعبان سنة ست ومائتين، وكانت ولايته أربعة عشر شهرا.
ثم ولي عبيد الله بن السريّ بن الحكم بمبايعة الجند لتسع خلون من شعبان على الصلاة والخراج، فكانت بينه وبين الجرويّ حروب إلى أن قدم عبد الله بن طاهر، وأطعن له عبيد الله في آخر صفر سنة إحدى عشرة ومائتين.
فولي عبد الله بن طاهر «١» بن الحسين بن مصعب من قبل المأمون على الصلاة والخراج، فدخل يوم الثلاثاء لليلتين خلتا من ربيع الأوّل سنة إحدى عشرة ومائتين، وأقام في معسكره حتى خرج عبد الله بن السريّ إلى بغداد للنصف من جمادى الأولى، ثم سار إلى الإسكندرية مستهلّ صفر سنة اثنتي عشرة، واستخلف عيسى بن يزيد الجلوديّ، فحصرها بضع عشرة ليلة، ورجع في جمادى الآخرة، وأمر بالزيادة في الجامع العتيق، فزيد فيه مثله، وركب النيل متوجها إلى العراق لخمس بقين من رجب، وكان مقامه بمصر واليا سبعة عشر شهرا، وعشرة أيام.
ثم ولي عيسى بن يزيد الجلوديّ باستخلاف ابن طاهر على صلاتها إلى سابع عشر ذي القعدة سنة ثلاث عشرة، فصرف ابن طاهر، وولي الأمير أبو إسحاق بن هارون الرشيد مصر، فأقرّ عيسى على الصلاة فقط، وجعل على الخراج: صالح بن شيرازاد، فظلم الناس، وزاد عليهم في خراجهم، فانتفض أهل أسفل الأرض، وعسكروا، فبعث عيسى بابنه محمد في جيش، فحاربوه فانهزم، وقتل أصحابه في صفر سنة أربع عشرة.
فولي عمير بن الوليد التميميّ باستخلاف أبي إسحاق بن الرشيد على الصلاة لسبع عشرة خلت من صفر، وخرج ومعه عيسى الجلوديّ لقتال أهل الحوف في ربيع الآخر، واستخلف ابنه محمد بن عمير فاقتتلوا، وكانت بينهم معارك قتل فيها عمير لست عشرة خلت من ربيع الآخر، فكانت مدّة إمرته ستين يوما.
فولي عيسى الجلوديّ ثانيا لأبي إسحاق على الصلاة، فحارب أهل الحوف بمنية مطر، ثم انهزم في رجب، وأقبل أبو إسحاق إلى مصر في أربعة آلاف من أتراكه، فقاتل أهل الحوف في شعبان، ودخل إلى مدينة الفسطاط لثمان بقين منه، وقتل أكابر الحوف، ثم خرج إلى الشام غرّة المحرّم سنة خمس عشرة ومائتين في أتراكه، ومعه جمع من الأسارى في ضر وجهد شديد.