ثم ولي أبو موسى هارون بن خمارويه يوم خلع جيش، فقام طائفة من الجند، وكاتبوا ربيعة بن أحمد بن طولون، وكان بالإسكندرية، ودعوه، ووعدوه بالقيام معه، فجمع جمعا كثيرا من أهل البحيرة، ومن البربر وغيرهم، وسار حتى نزل ظاهر فسطاط مصر، فخذله القوم، وخرج إليه القوّاد، فقاتلوه وأسروه لإحدى عشرة ليلة خلت من شعبان سنة أربع وثمانين، وضرب ألف سوط ومائتي سوط فمات، ومات المعتضد في ربيع الآخر سنة تسع وثمانين، وبويع ابنه محمد المكتفي بالله، وخرج القرمطيّ بالشام في سنة تسعين، فخرج القوّاد من مصر وحاربوه، فهزمهم، وبعث المكتفي محمد بن سليمان الكاتب «١» ، فنزل حمص، وبعث بالمراكب من الثغر إلى سواحل مصر، وأقبل إلى فلسطين، فخرج هارون يوم التروية سنة إحدى وتسعين، وسير المراكب الحربية، فالتقوا بمراكب محمد بن سليمان في تنيس، فغلبوا، وملك أصحاب محمد بن سليمان تنيس ودمياط، فسار هارون إلى العباسة، ومعه أهله وأعمامه في ضيق وجهد، فتفرّق عنه كثير من أصحابه وبقي في نفر يسير، وهو متشاغل باللهو، فأجمع عمّاه: شيبان وعديّ: ابنا أحمد بن طولون على قتله، فدخلا عليه وهو ثمل، فقتلاه ليلة الأحد لإحدى عشرة بقيت من صفر سنة اثنتين وتسعين، وسنه يومئذ اثنان وعشرون سنة، فكانت ولايته ثمان سنين وثمانية أشهر وأياما.
ثم ولي شيبان بن أحمد بن طولون أبو المواقيت لعشر بقين من صفر، فرجع إلى الفسطاط، وبلغ طفج بن جف، وغيره من القوّاد قتل هارون، فأنكروه، وخالفوا على شيبان، وبعثوا إلى محمد بن سليمان فأمنهم، وحرّكوه على المسير إلى مصر، فسار حتى نزل العباسة، فلقيه طفج في ناس من القوّاد كثير، فساروا به إلى الفسطاط، وأقبل إليهم عامّة أصحاب شيبان، فخاف حينئذ شيبان، وطلب الأمان فأمنه محمد بن سليمان، وخرج إليه لليلة خلت من ربيع الأوّل سنة اثنتين وتسعين ومائتين، وكانت ولايته اثني عشر يوما، ودخل محمد بن سليمان يوم الخميس أوّل ربيع الأوّل، فألقى النار في القطائع، ونهب أصحابه الفسطاط، وكسروا السجون، وأخرجوا من فيها، وهجموا الدور، واستباحوا الحريم، وهتكوا الرعية، وافتضوا الأبكار، وساقوا النساء، وفعلوا كل قبيح من إخراج الناس من دورهم، وغير ذلك، وأخرج ولد أحمد بن طولون، وهم عشرون إنسانا، وأخرج قوّادهم، فلم يبق بمصر منهم أحد يذكر، وخلت منهم الديار، وعفت منهم الآثار، وتعطلت منهم المنازل، وحلّ بهم الذل بعد العز، والتطريد والتشريد بعد اجتماع الشمل، ونضرة الملك، ومساعدة الأيام، ثم سيق أصحاب شيبان إلى محمد بن سليمان، وهو راكب،