فذبحوا بين يديه، كما تذبح الشياه، وقتل من السودان سكان القطائع خلقا كثيرا فقال أحمد بن محمد الحبيشيّ:
الحمد لله إقرارا بما وهبا ... قد لمّ بالأمن شعب الحق فانشعبا
الله أصدق هذا الفتح لا كذب ... فسوء عاقبة المثوى لمن كذبا
فتح به فتح الدنيا محمدها ... وفرّج الظلم والإظلام والكربا
لا ريب رب هياج يقتضي دعة ... وفي القصاص حياة تذهب الريبا
رمى الإمام به عذراء غادره ... فاقتض عذرتها بالسيف واقتضبا
محمد بن سليمان أعزهم ... نفسا وأكرمهم في الذاهبين أبا
سرى بأسد الشرى لو لم يروا بشرا ... أضحى عرينهم الخطيّ لا القضبا
جمّ الفضاء على اليحموم حين أتوا ... مثل الزبا يمتحون الزبية الذأبا
أيها علوت على الأيام مرتبة ... أبا عليّ ترى من دونها الرتبا
لما أطال بنو طولون خطبتهم ... من الخطوب وعافت منهم الخطبا
هارت بهارون من ذكراك بقعته ... وشيّب الرعب شيبانا وقد رعبا
وكم ترى لهم من جنة أنف ... ومن نعيم جنى من غدرهم عطبا
فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم ... كأنها من زمان غابر ذهبا
وقال أحمد بن يعقوب:
إن كنت تسأل عن جلالة ملكهم ... فارتع وعج بمرابع الميدان
وانظر إلى تلك القصور وما حوت ... واسرح بزهرة ذلك البستان
وإن اعتبرت ففيه أيضا عبرة ... تنبيك كيف تصرّف العصران
يا قتل هارون اجتثثت أصولهم ... وأشبت رأس أميرهم شيبان
لم يغن عنكم بأس قيس إذا غدا ... في جحفل لجب ولا غسان
وعديه البطل الكميّ وخزرج ... لم ينصرا بأخيهما عدنان
زفت إلى آل النبوّة والهدى ... وتمزقت عن شيعة الشيطان
وقال إسماعيل بن أبي هاشم:
قف وقفة بقباب باب الساج ... والقصر ذي الشرفات والأبراج
وربوع قوم أزعجوا عن دارهم ... بعد الإقامة أيما إزعاج
كانوا مصابيحا لدى ظلم الدجى ... يسري بها السارون في الإدلاج
وكأنّ أوجههم إذا أبصرتها ... من فضة بيضاء أو من عاج
كانوا ليوثا لا يرام حماهم ... في كل ملحمة وكل هياج