فانظر إلى آثارهم تلقي لهم ... علما بكل ثنية وفجاج
وعليهم ما عشت لا أدع البكا ... مع كل ذي نظر وطرف ساجي
وقال سعيد القاص:
تجري دمعه ما بين سحر إلى نحر ... ولم يجر حتى أسلمته يد الصبر
وبات وقيذا للذي خامر الحشا ... يئنّ كما أنّ الأسير من الأسر
وهل يستطيع الصبر من كان ذا أسى ... يبيت على جمر ويضحى على جمر
تتابع أحداث يضيعن صبره ... وغدر من الأيام والدهر ذو غدر
أصاب على رغم الأنوف وجدعها ... ذوي الدين والدنيا بقاصمة الظهر
طوى زينة الدنيا ومصباح أهلها ... بفقد بني طولون والأنجم الزهر
وفقد بني طولون في كل موطن ... أمرّ على الإسلام فقدا من القطر
فبادوا وأضحوا بعد عز ومنعة ... أحاديث لا تخفى على كل ذي حجر
وكان أبو العباس أحمد ماجدا ... جميل المحيّا لا يبيت على وتر
كأنّ ليالي الدهر كانت لحسنها ... وإشرافها في عصره ليلة القدر
يدل على فضل ابن طولون همة ... محلقة بين المساكين والغفر
فإن كنت تبغي شاهدا ذا عدالة ... يخبر عنه بالجليّ من الأمر
فبالجبل الغربيّ خطة يشكر ... له مسجد يغني عن المنطق الهذر
يدل ذوي الألباب أن بناءه ... وبانيه لا بالضنين ولا الغمر
بناه بآجرّ وساج وعرعر ... وبالمرمر المسنون والجص والصخر
بعيد مدى الأقطار سام بناؤه ... وثيق المباني من عقود ومن جدر
فسيح رحاب يحصر الطرف دونه ... رقيق نسيم طيب العرف والنشر
وتنور فرعون الذي فوق قلة ... على جبل عال على شاهق وعر
بنى مسجدا فيه يروق بناؤه ... ويهدي به في الليل إن ضلّ من يسري
تخال سنا قنديله وضياءه ... سهيلا إذا ما لاح في الليل للسفر
وعين معين الشرب عين زكية ... وعين أجاج للرواة وللطهر
كأن وفود النيل في جنباتها ... تروح وتغدو بين مدّ إلى جزر
فأرك بها مستنبطا لمعينها ... من الأرض من بطن عميق إلى ظهر
بناء لو أنّ الجنّ جاءت بمثله ... لقيل لقد جاءت بمستفظع نكر
يمرّ على أرض المغافر كلها ... وشعبان والأحمور والحيّ من بشر
قبائل لا نوء السحاب يمدّها ... ولا النيل يرويها ولا جدول يجري
ولا تنس مارستانه واتساعه ... وتوسعة الأرزاق للحول والشهر