وما فيه من قوّامه وكفاته ... ورفقتهم بالمعتفين ذوي الفقر
فللميت المقبور حسن جهازه ... وللحيّ رفق في علاج وفي جبر
وإن جئت رأس الجسر فانظر تأمّلا ... إلى الحصن أو فاعبر إليه على الجسر
ترى أثرا لم يبق من يستطيعه ... من الناس في بدو البلاد ولا حضر
مآثر لا تبلى وإن باد أهلها ... ومجد يؤدي وارثيه إلى الفخر
لقد ضمن القبر المقدّر ذرعه ... أجلّ إذا ما قيس من قبتي حجر
وقام أبو الجيش ابنه بعد موته ... كما قام ليث الغاب في الأسل السمر
أتته المنايا وهو في أمن داره ... فأصبح مسلوبا من النهي والأمر
كذاك الليالي من أعارته بهجة ... فيا لك من ناب حديد ومن ظفر
وورث هارون ابنه تاج ملكه ... كذاك أبو الأشبال ذو الناب والهصر
وقد كان جيش قبله في محله ... ولكنّ جيشا كان مستقصر العمر
فقام بأمر الملك هارون مدّة ... على كظظ «١» من ضيق باع ومن حصر
وما زال حتى زال والدهر كاشح «٢» ... عقاربه من كل ناحية تسري
تذكرتهم لما مضوا فتتابعوا ... كما أرفض سلك من جمان ومن شذر
فمن يبك شيئا ضاع من بعد أهله ... لفقدهم فليبك حزنا على مصر
ليبك بني طولون إذ بان عصرهم ... فبورك من دهر وبورك من عصر
وقال أيضا:
من لم ير الهدم للميدان لم يره ... تبارك الله ما أعلى وأقدره
لو أن عين الذي أنشأه تبصره ... والحادثات تعاديه لأكبره
كانت عيون الورى تعشوا لهيبته ... إذا أضاف إليه الملك عسكره
أين الملوك التي كانت تحلّ به ... وأين من كان بالإنفاذ دبره
وأين من كان يحميه ويحرسه ... من كل ليث يهاب الليث منظره
صاح الزمان بمن فيه ففرّقهم ... وحط ريب البلى فيه فدعثره «٣»
وأخلق الدهر منه حسن جدّته ... مثل الكتاب محا العصر أن أسطره
دكت مناظره واجتثّ جوسقه ... كأنما الخسف فاجأه فدمّره
أو هبّ إعصار نار في جوانبه ... فعاد معروفه للعين منكره
كم كان يأوي إليه في مقاصره ... أحوى أغنّ غضيض الطرف أحوره