للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي نصبه فيه ويقال: إن هذا المنار قائم إلى وقتنا هذا. ولولا هذا لغلب الماء الملح من البحر الشرقيّ على أرض مصر وعمل على النيل قنطرة في أول بلد النوبة، ونصب عليها أربعة أصنام موجهة إلى أربع جهات الدنيا في يدي كل واحد من الأصنام حربتان يضرب بهما إذا أتاهم آت من تلك الجهة فلم تزل بحالها إلى أن هدمها فرعون موسى عليه السلام، وعمل البربا على باب النوبة، وهو هناك إلى وقتنا هذا، وعمل في إحدى المدائن الأربع التي ذكرناها حوضا من صوّان أسود مملوء ماء لا ينقص طول الدهر، ولا يتغيّر ماؤه لأنه اجتلب إليه من رطوبة الهواء، وكان أهل تلك الناحية، وأهل تلك المدينة يشربون منه ولا ينقص ماؤه، وعمل ذلك لبعدهم عن النيل.

وذكر بعض كهنة القبط أن ذلك الماء ثم لقربه من البحر الملح فإن الشمس ترفع بحرّها بخار البحر فينحصر من ذلك البخار جزء بالهندسة، أو بالسحر، وتجعله ينحط ذلك في ذلك الموضع بالجوهر مثل الظل، وتمدّه بالهواء فلا ينقص بذلك ماؤه على الدهر، ولو شرب منه العالم وعمل قدحا لطيفا على مثل هذا العمل، وأهداه حوميل الملك إلى إسكندر اليوناني وملكهم عديم مائة وأربعين سنة، ومات وهو ابن سبعمائة وثلاثين سنة، ودفن في إحدى المدائن ذات العجائب وقيل: في صحراء قفط.

وذكر بعض القبط أن ناووس عديم عمل في صحراء قفط على وجه الأرض تحت قبة عظيمة من زجاج أخضر برّاق معقود على رأسها كرة من ذهب عليها طائر من ذهب موشح بجوهر منشور الجناحين يمنع من الدخول إلى القبة، وكان قطرهما مائة ذراع في مثلها وجعل جسده في وسطها على سرير من ذهب مشبك، وهو مكشوف الوجه، وعليه ثياب منسوجة بالذهب المغروز بالجوهر المنظوم، وطول القبة أربعون ذراعا، وجعل في القبة مائة وسبعين مصحفا من مصاحف الحكمة وسبع موائد بأوانيها. منها مائدة من درّ رماني أحمر وأوانيها منها ومائدة من ذهب قلموني أوانيها منها، ومائدة من حجر الشمس المضيء بآنيتها وهو الزبرجد الذي إذا نظرت إليه الأفاعي سالت أعينها ومادة من كبريت أحمر مدبر بآنيتها، ومائدة من ملح أبيض مدبر برّاق بآنيتها ومائدة من زئبق معقود وجعل في القبة جواهر كثيرة وبرابي صنعة مدبرة، وحوله سبعة أسياف، وأتراس من حديد أبيض مدبر، وتماثيل أفراس من ذهب عليها سروج من ذهب، وسبعة توابيت من دنانير عليها صورته، وجعل معه من أصناف العقاقير والسمومات والأدوية في برابي من حجارة، وقد ذكر من رأى هذه القبة أنهم أقاموا أياما فما قدروا على الوصول إليها وأنهم إذا قصدوها، وكانوا منها على ثمانية أذرع دارت القبة عن أيمانهم أو عن شمائلهم.

ومن أعجب ما ذكروه أنهم كانوا يحاذون آزاجها أزجا «١» أزجا فلا يرون غير الصورة

<<  <  ج: ص:  >  >>