للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما اشتمل عليه هذا الخبر، مع ما ذكره القضاعيّ من عدد الحمامات، وأنها ألف ومائة وسبعون حماما، تعرف من ذلك كثرة ما كان بمصر من الناس، هذا والسعر راخ والقمح كل خمسة أرادب بدينار، وبيعت عشرة أرادب بدينار في زمن أحمد بن طولون.

قال ابن المتوّج: خطة مسجد عبد الله أدركت بها آثار دار عظيمة، قيل: إنها كانت دار كافور الإخشيديّ، ويقال: إن هذه الخطة تعرف بسوق العسكر، وكان به مسجد الزكاة، وقيل: إنه كان منه قصبة سوق متصلة إلى جامع أحمد بن طولون، وأخبرني بعض المشايخ العدول عن والده، وكان من أكابر الصلحاء أنه قال: عددت من مسجد عبد الله إلى جامع ابن طولون ثلثمائة وتسعين قدر حمص مصلوق بقصبة هذا السوق بالأرض، سوى المقاعد والحوانيت التي بها الحمص، فتأمّل أعزك الله ما في هذا الخبر مما يدل على عظمة مصر، فإن هذا السوق كان خارج مدينة الفسطاط، وموضعه اليوم الفضاء الذي بين كوم الجارح وبين جامع ابن طولون، ومن المعروف أن الأسواق التي تكون بداخل المدينة أعظم من الأسواق التي هي خارجها، ومع ذلك ففي هذا السوق من صنف واحد من المآكل هذا القدر، فكم ترى تكون جملة ما فيه من سائر أصناف المآكل، وقد كان إذ ذاك بمصر عشرة أسواق كلها أو أكثرها أجلّ من هذا السوق، قال: ودرب السفافير بني فيه زقاق بني الرصاص، كان به جماعة إذا عقد عندهم عقد لا يحتاجون إلى غريب، وكانوا هم وأولادهم نحوا من أربعين نفسا.

وقال ابن زولاق «١» في كتاب سيرة المادرانيين: ولما قدم الأستاذ مونس الخادم من بغداد إلى مصر استدعى أبو عليّ الحسين بن أحمد المادرانيّ المعروف بأبي زنبور الدقاق، وهو الذي نسميه اليوم الطحان، وقال: إن الأستاذ مؤنسا قد وافى، ولي بمشتول «٢» قدر ستين ألف أردب قمحا، فإذا وافى، فقم له بالوظيفة، فكان يقوم له بما يحتاج إليه من دقيق حواري مدّة شهر، فلما كمل الشهر قال كاتب مونس للدقاق: كم لك حتى ندفعه إليك؟

فأعلمه الخبر، فقال: ما أحسب الأستاذ يرضى أن يكون في ضيافة أبي عليّ، وأعلم مونسا بذلك، فقال: أنا آكل خبز حسين؟! لا يبرح الرجل حتى يقبض ماله، فمضى الدقاق وعلم أبا زنبور، فقام من فوره إلى مونس، فأكب على رجليه، فاحتشم منه، وقال: والله لا أجيبك إلا هذا الشهر الذي مضى ولا تعاود، ثم رجع فقال الدقاق: قم له بالوظيفة في المستقبل واعمل ما يريده؟ قال: فجئته وقد فرغ القمح، ومعي الحساب، وأربعمائة دينار قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>