ركابهما بجميع رؤساء القبائل، وهو يقول للناس: هذا مولاكم، وهو يبكي من شدّة الفرح حتى وصل بهما إلى فسطاط ضربه في العسكر، فأنزلهما فيه، وبعث الخيل في طلب اليسع، فأدركته وجاءت به فقتله، وأقام عبيد الله بسلجماسة أربعين يوما، ثم سار إلى إفريقية في ربيع الآخر سنة سبع وتسعين، ونزل برقادة، وأمر يوم الجمعة أن يذكر في الخطبة وتلقب بالمهديّ أمير المؤمنين، فدعي له في جميع البلاد بذلك، وجلس بعد الصلاة الدعاة ودعوا الناس كافة إلى مذهبهم، فمن أجاب قبل منه، ومن أبى قتل، وعرض جواري زيادة الله، واختار منهنّ لنفسه ولولده، وفرّق ما بقي على وجوه كتامة، وقسم عليهم أعمال إفريقية، ودوّن الدواوين، وجبى الأموال ودانت له البلاد، فشق ذلك على أبي عبد الله، ونافس المهديّ، وحسده من أجل أنه كف يده، ويده، ويد أخيه أبي العباس، فعظم عليه الفطام عن الأمر والنهي والأخذ والعطاء، وأقبل أبو العباس يرزي على المهديّ في مجلس أخيه، ويؤنب أخاه على ما فعل حتى أثر في نفسه، فسأل المهديّ: أن يفوّض إليه الأمور ويجلس في القصر، وكان قد بلغ المهديّ ما يجهر به أبو العباس من السوء في حقه، فردّ أبا عبد الله ردّا لطيفا، وأسرّها في نفسه، وأكثر أبو العباس من قوله حتى أغرى المقدّمين بالمهديّ، وقال:
ما هذا بالذي كنا نعتقد طاعته، وندعو إليه لأنّ المهديّ يأتي بالآيات الباهرة، فمال إليه جماعة، وواجه بعضهم المهديّ بذلك، وقال له: إن كنت المهديّ، فأظهر لنا آية، فقد شككنا فيك، فبعد ما بين المهديّ، وبين أبي عبد الله، وأوجس كلّ منهما في نفسه خيفة من الآخر، وأخذ أبو العباس يدبر في قتل المهديّ، والمهديّ يحلّ ما كان يبرمه، وثم رتب رجالا، فلما ركب أبو عبد الله، وأخوه إلى قصر المهديّ ثار بهما الرجال، فقال أبو عبد الله:
لا تفعلوا، فقالوا له: إنّ الذي أمرتنا بطاعته أمرنا بقتلك، فقتل هو وأخوه للنصف من جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائتين بمدينة رقادة، فثارت فتنة بسبب قتلهما، فركب المهديّ حتى سكنت وتتبع جماعة منهم، فقتلهم فلما استقام له الأمر عهد إلى ابنه أبي القاسم، وتتبع بني الأغلب، فقتل منهم جماعة، وجهز في سنة إحدى وثلثمائة ابنه أبا القاسم بالعساكر إلى مصر، فأخذ برقة والإسكندرية والفيوم، وكانت له مع عساكر مصر، وعساكر العراق الواردة إلى مصر مع مؤنس الخادم عدّة حروب، وعاد إلى الغرب، فجهز المهديّ في سنة اثنتين وثلثمائة: حباسة بجيوش إلى مصر، فغلب على الإسكندرية، وكان من أمره ما تقدّم ذكره.
وكان للمهدي ببلاد المغرب عدّة حروب، وكان يوجد في الكتب خروج أبي يزيد النكاريّ على دولته، فبنى المهدية، وأدار عليها سورا جعل فيه أبوابا زنة كل مصراع منها، مائة قنطار من حديد، وكان ابتداء بنائها في ذي القعدة سنة ثلاث وثلثمائة، وبنى المصلى بظاهرها، وقال: إلى هنا يصل صاحب الحمار، يعني أبا يزيد، فكان كذلك، وأنشأ صناعة فيها تسعمائة شونة، وقال: إنما بنيت هذه لتعتصم الفواطم بها ساعة من نهار، فكان كذلك،