جميع الكافة أتباعه والخضوع له، والانقياد إليه، والتسليم له، لأنّ الهداية في موافقته وأتباعه، والضلال والحيرة إلى في العدول عنه، فإذا تقرّر ذلك عند المدعوّ انتقل الداعي إلى الدعوة الخامسة.
الدعوة الخامسة: مترتبة على ما قبلها، وذلك أنه إذا صار المدعوّ في الرتبة الرابعة من الاعتقاد أخذ الداعي يقرّر أنه لا بدّ مع كل إمام قائم في كل عصر حجج متفرّقون في جميع الأرض عليهم تقوم، وعدّة هؤلاء الحجج أبدا اثنا عشر رجلا في كل زمان كما أنّ عدد الأئمة سبعة، ويستدل لذلك بأمور منها: أنّ الله تعالى لم يخلق شيئا عبثا، ولا بدّ في خلق كل شيء من حكمة، وإلّا فلم خلق النجوم التي بها قوام العالم سبعة، وجعل أيضا السماوات سبعا، والأرضين سبعا، والبروج اثني عشر، والشهور اثني عشر شهرا، ونقباء بني إسرائيل اثني عشر نقيبا، ونقباء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الأنصار اثني عشر نقيبا، وخلق تعالى في كف كل إنسان أربع أصابع، وفي كل أصبع ثلاث شقوق تكون جملتها اثني عشر شقا، على أنه في يد كل إبهام شقان، دلالة على أنّ الإنسان بدنه كالأرض، وأصابعه كالجزائر الأربع والشقوق التي في الأصابع كالحجج، والإبهام الذي به قوام جميع الكف، وسداد الأصابع، كالذي يقوّم الأرض بقدر ما فيها، والشقان اللذان في الإبهام إشارة إلى أنّ الإمام وسوسة لا يفترقان، ولذلك صار في ظهر الإنسان: اثنتا عشرة خرزة، إشارة إلى الحجج الاثني عشر، وصار في عنقه: سبع، فكان العنق عاليا في خرزات الظهر، وذلك إشارة إلى الأنبياء النطقاء، والأئمة السبعة، وكذلك الأثقاب السبعة التي في وجه الإنسان العالي على بدنه، وأشياء من هذا النوع كثيرة، فإذا تمهد عند المدعوّ ما دعاه إليه الداعي، وتقرّر نقله حينئذ إلى الدعوة السادسة.
الدعوة السادسة: لا تكون إلا بعد ثبوت جميع ما تقدّم في نفس المدعوّ، وذلك أنه إذا صار إلى الرتبة الخامسة، أخذ الداعي في تفسير معاني شرائع الإسلام من الصلاة والزكاة والحج والطهارة، وغير ذلك من الفرائض بأمور مخالفة للظاهر، بعد تمهيد قواعد تبين في أزمنة من غير عجلة تؤدّي إلى أنّ هذه الأشياء، وضعت على جهة الرموز لمصلحة العامة، وسياستهم حتى يشتغلوا بها عن بغي بعضهم على بعض، وتصدّهم عن الفساد في الأرض، حكمة من الناصبين للشرائع، وقوّة في حسن سياستهم لأتباعهم، وإتقانا منهم لما رتبوه من النواميس ونحو ذلك، حتى يتمكن هذا الاعتقاد في نفس المدعوّ، فإذا طال الزمان، وصار المدعوّ يعتقد أنّ أحكام الشريعة كلها وضعت على سبيل الرمز لسياسة العامّة، وأنّ لها معاني أخر غير ما يدل عليه الظاهر، ونقله الداعي إلى الكلام في الفلسفة، وحضه على النظر في كلام أفلاطون، وأرسطو، وفيثاغورس، ومن في معناهم، ونهاه عن قبول الأخبار، والاحتجاج بالسمعيات، وزين له الاقتداء بالأدلة العقلية، والتعويل عليها، فإذا استقرّ ذلك عنده واعتقده، نقله بعد ذلك إلى الدعوة السابعة، ويحتاج ذلك إلى زمان طويل.