وثلثمائة إلى هذا الوقت، وذلك زائد عن مائة سنة، وإنّ جميعه باق فيها على الأيام لم يتغير، وإنّ جميعه احترق حتى لم يبق منه باقية، ولا أثر، وإنه احترق في هذه الليلة من قربات النفط عشرات ألوف، ومن زراقات النفط أمثالها، فأما الدرق والسيوف والرماح والنشاب، فلا تحصى بوجه، ولا سبب مع ما فيها من قضب الفضة، وثيابها المذهبة وغيرها، والبنود المجملة، وسروج ولجم وثياب الفرحية المصبغات والبنادين، وغيرها بعد أن أخذوا ما قدروا عليه، حتى لواء الحمد «١» ، وسائر البنود، وجميع العلامات، والألوية.
وحدّثني من أثق به أيضا: أنه احترق فيها من السيوف عشرات ألوف، وما لا يحصى كثرة، وإن السلطان بعد ذلك بمدّة طويلة احتاج إلى إخراج شيء من السلاح لبعض مهماته، فأخرج من خزانة واحدة مما بقي وسلم خمسة عشر ألف سيف مجوهرة سوى غيرها.
حدّثني بجميعه الأجل: عظيم الدولة متولي الستر الشريف انتهى.
وجعلت خزانة البنود بعد هذا الحريق حبسا، وفيها يقول القاضي المهذب بن الزبير لما اعتقل بها، وكتب بها للكامل بن شاور:
وقولا لضوء الصبح هل أنت عائد ... إلى نصري أم لا أرى بعدها صبحا
ولا تيأسا من رحمة الله أن أرى ... سريعا بفضل الكامل العفو والصفحا
وقال:
أيا صاحبي سجن الخزانة خليا ... من الصبح ما يبدو سناه لناظري
فو الله ما أدري أطرفي ساهر ... على طول هذا الليل أم غير ساهر
وما لي من أشكو إليه إذا كما ... سوى ملك الدنيا شجاع بن شاور
واستثمرت سجنا للأمراء، والوزراء، والأعيان إلى أن زالت الدولة، فاتخذها ملوك بني أيوب أيضا سجنا، تعتقل فيه الأمراء والمماليك.
ومن غريب ما وقع بها أن الوزير: أحمد بن عليّ الجرجرائي «٢» : لما توفي طلب الوزارة: الحسن بن عليّ الأنباري: فأجيب إليها، فتعجل من سوء التدبير قبل تمامه ما فوّته مراده، وضيع ماله ونفسه، وذلك أنه كان قد نبغ في أيام الحاكم بأمر الله أخوان يهوديان: