بتصرّف أحدهما في التجارة، والآخر في الصرف، وبيع ما يحمله التجار من العراق.
وهما: أبو سعد إبراهيم، وأبو نصر هارون ابنا سهل التستريّ، واشتهر من أمرهما في البيوع وإظهار ما يحصل عندهما من الودائع الخفية لمن يفقد من التجار في القرب والبعد، ما ينشأ به جميل الذكر في الآفاق، فاتسع حالهما لذلك، واستخدم الخليفة الظاهر لإعزار دين الله: أبا سعد إبراهيم بن سهل التستريّ في ابتياع ما يحتاج إليه من صنوف الأمتعة، وتقدّم عنده، فباع له جارية سوداء، فتحظى بها الظاهر، وأولدها: ابنه المستنصر، فرعت لأبي سعد ذلك، فلما أفضت الخلافة إلى المستنصر ولدها قدّمت: أبا سعد، وتخصصت به في خدمتها.
فلما مات الوزير الجرجرائي، وتكلم ابن الأنباري في الوزارة قصده أبو نصر أخو أبي سعد، فجبهه أحد أصحابه بكلام مؤلم، فظنّ أبو نصر أن الوزير ابن الأنباري إذا بلغه ذلك ينكر على غلامه، ويعتذر إليه، فجاء منه خلاف ما ظنه، وبلغه عنه أضعاف ما سمعه من الغلام، فشكا ذلك إلى أخيه أبي سعد، وأعلمه بأنّ الوزير متغير النية لهما، فلم يفتر أبو سعد عن ابن الأنباريّ، وأغرى به أمّ المستنصر مولاته، فتحدّثت مع ابنها الخليفة المستنصر في أمره حتى عزله عن الوزارة فسعى أبو سعد عند أمّ المستنصر: لأبي نصر صدقة بن يوسف الفلاحيّ في الوزارة، فاستوزره المستنصر، وتولى أبو سعد الإشراف عليه، وصار الوزير الفلاحيّ منقادا لأبي سعد تحت حكمه، وأخذ الفلاحي يعمل على ابن الأنباري ويغري به، ويصنع عليه ديونا، ويذكر عنه ما يوجب الغضب عليه، حتى تمّ له ما يريد، فقبض عليه، وخرّج عليه من الدواوين أموالا كثيرة، مما كان يتولاه قديما، وألزمه بحملها، ونوّع له أصناف العذاب، واستصفى أمواله، وهو معتقل بخزانة البنود، ثم قتله في يوم الاثنين الخامس من المحرّم سنة أربعين وأربعمائة بها، فاتفق أن الفلاحي لما صرف عن الوزارة، اعتقل بخزانة البنود حيث كان ابن الأنباري، قم قتل بها، وحفر له ليدفن، فظهر في الحفر رأس ابن الأنباري قبل أن يمضي فيه القتل، فقال لا إله إلّا الله: هذا رأس ابن الأنباري أنا قتلته، ودفنته ههنا وأنشد:
رب لحد قد صار لحدا مرارا ... ضاحكا من تزاحم الأضداد «١»
فقتل، ودفن في تلك الحفرة مع ابن الأنباري، فعدّ ذلك من غرائب الاتفاق.
ثم إن خزانة البنود جعلت منازل للأسرى من الفرنج المأسورين من البلاد الشامية أيام