للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت محاربة المسلمين لهم، فأنزل بها الملك الناصر محمد بن قلاون: الأسارى بعد حضوره من الكرك، وأبطل السجن بها، فلم يزالوا فيها بأهاليهم، وأولادهم في أيام السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون، فصار لهم فيها أفعال قبيحة، وأمور منكرة شنيعة من التجاهر: ببيع الخمر، والتظاهر بالزنا واللياطة، وحماية من يدخل إليها من أرباب الديون، وأصحاب الجرائم وغيرهم، فلا يقدر أحد، ولو جلّ على أخذ من صار إليهم واحتمى بهم.

والسلطان يغضي عنهم لما يرى في ذلك من مراعاة المصلحة، والسياسة التي اقتضاها الحال من مهادنة ملوك الفرنج، وكان يسكن بالقرب منها الأمير الحاج آل ملك الجوكندار، ويبلغه ما يفعله الفرنج من العظائم الشنيعة، فلا يقدر على منعهم، وفحش أمرهم، فرفع الخبر إلى السلطان، وأكثر من شكايتهم غير مرّة والسلطان يتغافل عن ذلك إلى أن كثرت مفاوضة الحاج آل ملك للسلطان في أمرهم، فقال له السلطان: أتنقل أنت عنهم يا أمير؟

فلم يسعه إلّا الإعراض عن ذلك، وعمّر داره التي بالحسينية، والإصطبل، والجامع المعروف: بآل ملك والحمام والفندق، وانتقل من داره التي كان فيها بجوار خزانة البنود، وسكن بالحسينية إلى أن مات السلطان الملك الناصر في أخريات سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وتنقل الملك في أولاده إلى أن جلس الملك الصالح عماد الدين إسماعيل ابن الملك الناصر محمد بن قلاون، وضرب شورى على من يكون نائب السلطنة بالديار المصرية يدبر أحوال المملكة، كما كانت العادة في ذلك مدّة الدلة التركية، فأشير بتولية الأمير: بدر الدين جنكل بن البابا، فتنصل من ذلك، وأبى قبوله، فعرضت النيابة على الأمير الحاج آل مالك فاستبشر وقال: لي شروط أشرطها على السلطان، فإن أجابني إليها فعلت ما يرسم به.

وهي أن لا يفعل شيء في المملكة إلا برأيي، وأن يمنع الناس من شرب الخمر، ويقام منار الشرع، ولا يعترض على أمر من الأمور، فأجيب إلى ما سأل، وأحضرت التشاريف، فأفيضت عليه بالجامع من قلعة الجبل في يوم الجمعة الثاني عشر من المحرّم سنة أربع وأربعين وسبعمائة، وأصبح يوم السبت جالسا في دار النيابة من القلعة، وحكم بين الناس، وأوّل ما بدأ به: أن أمر والي القاهرة بالنزول إلى خزانة البنود، وأن يحتاط على جميع ما فيها من الخمر والفواحش، ويخرج الأسرى منها، ويهدمها حتى يجعلها دكا، ويسوّي بها الأرض، فنزل إليها ومعه الحاجب في عدّة وافرة، وهجموا على من فيها، وهم آمنون، وأحاطوا بسائر ما تشتمل عليه، وقد اجتمع من العامّة والغوغاء، ما لا يقع عليه حصر، فأراقوا منها خمورا كثيرة تتجاوز الحدّ في الكثرة، وأخرج من كان فيها من النساء البغايا، وغيرهنّ من الشباب، وأرباب الفساد، وقبض على الفرنج والأرمن، وهدمها حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>