وسطه بالمنطقة الذهب تأدّبا وتعظيما لما معه، وسلم الرمح والدرقة لمن يتولى حملهما بلواء الموكب.
ولم يكن للخدمة المذكورة عذبة مرخاة، ولا منطقة، واستدعى ركوب الوزير وأولاده من عند باب قاعة الذهب، وخرج الخليفة من القاعة المذكورة إلى أوّل دهليز، فتلقته جماعة صبيان ركابه العشرة المقدّمين أرباب الميمنة والميسرة، وصبيان وراء صبيان الرسائل، وصبيان السلام كل منهم في الخدمة المعينة لا يخرج عنها لسواها، وجميعهم بالمناديل الشروب المعلمة، وبأوساطهم العراض الديبقيّ المقصورة، وليس الجميع عبيدا بشراء ولا سودان، بل مولدة، وأولاد أعيان، وأهل فهم ولسان، ثم احتاط بركابه بعدهم من هو على غير زيهم بل بالقنابيز المفرّجة، والمناديل السوسيّ، وهم المتولون لحمل السلاح الخاص الذي لا يكون إلّا في موكبه خاصة على الاستمرار من الصواري، والفرنجيات والدبابيس، واللتوت، والصماصم بالدرق الصينيّ، واليمنيّ بالكوامخ الفضة، والذهب، ويحصل الاستدعاء من صبيان السلام في مسافة الدهاليز لكل من هو مستخدم في الموكب ركوبه من محل حجبته، إلى أن خرج الخليفة من باب الذهب، وقد ضربت الغربية، وأبواق السلام واجتمع الرهج من كل مكان، ونشرت المظلة، فاجتمع إليها الزويلية بالعدد الغريبة، وظلل بها، وسارت بسيره، والقرآن الكريم عن يمينه ويساره، والحجرية الصبيان المنشدون، واجتمع الموكب بجملته على ما ذكر أوّلا، والترتيب أمامه لمتولي الباب وحجابه، وتلوه لمتولي الستر، وكل منهم على حكم المدارج التي وصلت إليه لا سبيل إلى الخروج عما رسم فيها، وسار بجملة موكبه على ترتيب أوضاعه، بين حصنين مانعين من طوارق عساكره فارسها، وراجلها كل طائفة يقدمها زمامها، وقد ازدحموا في المصفات بالعدد المذهبة الحربية، والآلات المانعة المضيئة وليس بينهم طريق لسالك، وقد زين لهم جميع ما يكون أمامهم من الطرق جميعها حوانيتها، وآدرها، وجميع مساكنها، وأبواب حاراتها، بأنواع من الستور، والديباج والديبقيّ على اختلاف أجناسها، ثم بأصناف السلاح وملأت النظارة الفجاج والبطاح، والوها والربا، والصدقات، والرسوم تعمّ أهل الجانبين من أرباب الجوامع والمساجد، وبوّابي الأبواب، والسقائين، والفقراء، والمساكين في طول الطريق إلى أن أظل على الخيام المنصوبة. فوقف بموكبه، واستدعى الوزير بعده من مقدّمي ركابه، فاجتاز راكبا بمفرده، وجمع حاشيته بسلاحهم رجالة في ركابه بعد أن بالغ في الإيماء بتقبيل الأرض أمامه، فردّ عليه بكمه السلام.
وعاد الخليفة في سيره بالموكب بعد أن حصل الوزير أمامه، وترجل جميع من شرّف بحجبته في ركابه، وآخرهم متولي حمل سيفه، ورمحه وصبيان السلام يستدعون كل منهم إلى تقبيل الأرض بجميع نعوته إكبارا له، وتمييزا واحتاطوا بركابه، ووصل إلى المضارب في الحرس الشديد على أبوابها، وسرادقاتها من كل جانب، وقد تبين وجاهة من حصل بها،