للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثلاثون من الفضة، ويكون بوّاقوها ركبانا، وأرباب الأبواق النحاس مشاة، ومن الطبول الكبار التي مكان خشبها فضة عشرة. فإذا حضر الوزير إلى باب القصر، خرج الخليفة في هيئة عظيمة، وهمة عالية، وقد تضاعفت هم الأجناد في ذلك اليوم فارسها وراجلها، ويخرج زيّ الخليفة من المظلة، والسيف والرمح والألوية، والدواة، وغير ذلك من الأستاذين المحنكين، ويركب في ذلك اليوم من الأقارب المقيمين بالقصر: عشرون أو ثلاثون، وهم بالنوبة في كل سنة فيتقدّمون إلى المنظرة في مكان لهم صحبة أستاذين لخدمتهم، وحفظهم، ويكون قد لف عمود الخيمة الكبرى المشار إليها إما بديباج أبيض، أو أحمر، أو أصفر من أعلاه إلى أسفله، وينصب مسندا إليه سرير الملك، ويغشى بقرقوبيّ وعرانيسه ذهب ظاهرة.

فيخرج الخليفة للرّكوب، ويركب فيخرج من باب القصر، وعليه ثوب يقال له: البدنة وهو كله ذهب وحرير مرقوم، والمظلة من شكله، ولا يلبس هذا الثوب في غير هذا اليوم، ويسير بالموكب الهائل شاقا القاهرة من الطريق التي ركب منها لتخليق المقياس، إلّا أنه لا يدخل طرق مصر من الخشابين، بل خارجها من طريق الساحل، فإذا جاز على جامع ابن طولون، وجد قد ربط من رأس المنارة من مكان العشاريّ النحاس حبل طويل قويّ، موضوع آخره في الطريق، وفيه قوم يقال لهم: التحتبارية واحد في زيّ فارس على شكل فرس وفي يده رمح، وبكتفه درقة، فينحدر على بكرة، وفي رجليه آخر ممسكها، وهو يتقلب في الهواء بطنا وظهرا، حتى يصل إلى الأرض، ويكون قاضي القضاة، وأعيان الشهود جلوسا في باب الجامع من هذه الجهة، فإذا وازاهم الخليفة وكانوا قد ركبوا، وقف لهم وقفة، فيسلم على القاضي، ثم يدخل، فيقبل الرجل التي من جانبه لا غير، ويدخل بالشهود في الفرجة أمام وجه الدابة بمقدار قصبة المساحة، فيسلم عليهم ويرجعون إلى دوابهم، فيركبون، ويكون قد نصب لهم بالقرب من الخيمة الكبرى: خيمتان، إحداهما ديباج أحمر، والأخرى ديبقي أبيض بصفاري فضة لكل واحدة فيتم الخليفة بهيئته إلى أن يدخل من باب الخيمة، ويكون الوزير قد تقدّمه على العادة ليخدمه، فيجده راجلا على باب الخيمة، فيمشي بين يديه إلى سرير الملك، فينزل ويجلس على المرتبة المنصوبة فيه، ويحيط به الأستاذون المحنكون والأمراء المطوّقون بعدهم، ويوضع للوزير الكرسيّ الجاري به عادته، فيجلس عليه، ورجلاه تحك الأرض ويقف أرباب الرتب صافين من ناحية سرير الملك إلى ناحية الخيمة، والقرّاء يقرءون القرآن ساعة زمانية، فإذا ختموا قراءتهم، استأذن صاحب الباب على حضور الشعراء للخدمة بما يطلق هذا اليوم، فيؤمر بتقديمهم واحدا بعد واحد، ولهم منازل على مقدار أقدارهم، فالواحد يتقدّم الواحد بخطوة في الإنشاد، وهو أمر معروف عند مستخدم يقال له النائب، وتقدّم شاعر يقال له ابن جبر، وأنشأ قصيدة منها:

فتح الخليج فسال منه الماء ... وعلت عليه الراية البيضاء

<<  <  ج: ص:  >  >>