فصفت موارده لنا فكأنه ... كف الإمام فعرفها الإعطاء
فانتقد الناس عليه في قوله، فسال منه الماء، وقالوا: أيّ شيء يخرج من البحر غير الماء، فضيع ما قاله بعد هذا المطلع، وتقدّم شاعر يقال له مسعود الدولة بن جرير، وأنشد:
ما زال هذا السدّ ينظر فتحه ... إذن الخليفة بالنوال المرسل
حتى إذا برز الإمام بوجهه ... وسطا عليه كل حامل معول
فجرى كأن قد ديف فيه عنبر ... يعلوه كافور بطيب المندل
فانتقدوا عليه أيضا قوله في البيت الثاني، وقالوا: أهلك وجه الإمام بسطوات المعاول عليه، وإن كان قصد فتح السدّ بالمعاول، لكنه ما نظمه إلا قلقا، ثم تقدّم له شاعر شاهد يقال له: كافي الدولة أبو العباس أحمد، وأنشد قصيدة شهد له جماعة منهم القاضي الأثير بن سنان، فإنه عملها بحضوره بديها:
لمن اجتماع الخلق في ذا المشهد ... للنيل أم لك يا ابن بنت محمد
أم لاجتماعكما معا في موطن ... وافيتما فيه لأصدق موعد
ليس اجتماع الخلق إلّا للذي ... حاز الفضيلة منكما في المولد
شكروا لكلّ منكما لوفائه ... بالسعي لكن ميلهم للأجود
ولمن ذا اعتمد الوفاء ففعله ... بالقصد ليس له كمن لم يقصد
هذا يفي ويعود ينقص تارة ... وتسدّ أنت النقص إن لم يردد
وقواه إن بلغ النهاية قصرت ... وإذا بلغت إلى النهاية تبتدي
فالآن قد ضاقت مسالك سعيه ... بالسدّ فهو به بحال مقيد
فإذا أردت صلاحه فافتح «١» ... ليرى جنابا مخصبا وترى ندي
وأمر بفصد العرق منه فما شكا ... جسم فصيح الجسم إن لم يقصد
واسلم إلى أمثال يومك هذا ... في عيش مغبوط وعز مخلد
فأمر له على الفور بخمسين دينارا، وخلع عليه، وزيد في جاريه، ثم يقوم الخليفة عن السرير راكبا، والوزير بين يديه حتى يطلع على المنظرة المعروفة بالسكرة، وقد فرشت بالفرش المعدّة لها، فيجلس فيها، ويتهيأ أيضا للوزير مكان يجلس فيه، ويحيط بالسدّ حامي البساتين ومشارفها لأنه من حقوق خدمتهما، فتفتح إحدى طاقات المنظرة، ويطل منها الخليفة على الخليج، وطاقة تقاربها يتطلع منها أستاذ من الخواص، ويشير بالفتح، فيفتح بأيدي عمال البساتين بالمعاول ويخدم بالطبل والبوق من البرّين.
فإذا اعتدل الماء في الخليج، دخلت العشاريات اللطاف، ويقال لها السماويات وكأنها