صارت دار الملك هذه من جملة منتزهات الخلفاء، وكان بها بستان عظيم، وما زالت عظيمة إلى أن انقرضت الدولة، فجعلها الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب دار متجر، ثم عملت في أيام الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري: دار وكالة، وموضع دار الملك: ما وراء حبة الخرّوب، بجوار المدرسة المعزي، وبقي منها جدار يجلس تحته بياعو الحناء.
قال ابن المأمون: ومن جملة ما قرّره القائد أبو عبد الله من تعظيم المملكة، وتفخيم أمر السلطنة أنّ المجلس الذي يجلس فيه الأفضل بدار الملك يسمى: مجلس العطايا، فقال القائد: مجلس يدعى بهذا الاسم ما يشاهد فيه دينار؟ يدفع لمن يسأل، وأمر بتفصيل ثمان ظروف ديباج أطلس، من كل لون اثنين، وجعل في سبعة منها خمسة وثلاثين ألف دينار وفي كل ظرف: خمسة آلاف دينار سكب، وبطاقة بوزنه، وعدده، وشرّابة حرير كبيرة من ذلك ستة ظروف دنانير بالسوية عن اليمين والشمال في مجلس العطايا الذي برسم الجلوس، وعند مرتبة الأفضل بقاعة اللؤلؤة: ظرفان، أحدهما دنانير، والآخر دراهم جدد، فالذي في اللؤلؤة برسم ما يستدعيه الأفضل إذا كان عند الحرم، وأمّا الذي في مجلس العطايا، فإنّ جميع الشعراء لم يكن لهم في الأيام الأفضلية، ولا فيما قبلها على الشعر جار وإنما كان لهم إذا اتفق طرب السلطان، واستحسانه لشعر من أنشد منهم ما يسهله الله على حكم الجائزة، فرأى القائد أن يكون ذلك من بين يديه من الظروف، وكذلك من يتضرّع ويسأل في طلب صدقة، أو ينعم عليه ابتداء بغير سؤال، يخرج ذلك من الظروف.
وإذا انصرف الحاضرون، نزل القائد المبلغ بخطه في البطاقة، ويكتب عليه الأفضل بخطه: صح، ويعاد إلى الظرف، ويختم عليه، فلما استهلّ رجب من سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، وجلس الأفضل في مجلس العطايا على عادته، وحضر الأجلّ المظفر أخوه للهناء، وجلس بين يديه، وشاهد الظروف والقائد، وولده، وأخوه قيام على رأسه، وتقدّمت الشعراء على طبقاتهم، أمر لكل منهم بجائزة، وشاع خبر الظروف وكثر القول فيها، واستعظم أمرها، وضوعف مبلغها، واتسع هذا الإنعام بالصدقات الجاري بها العادة في مثل هذا الشهر لفقهاء مصر، والرباطات بالقرافة وفقرائها.
وقال ابن الطوير: وقد ذكر ركوب الخليفة في أوّل العام وحضور العزّة، وينقطع الركوب بعد هذا اليوم الذي هو أوّل العام، فيركبون في آحاد الأيام إلى أن يكمل شهر ولا يتعدّى ذلك يومي السبت والثلاثاء، فإذا عزم الخليفة على الركوب في أحد هذه الأيام أعلم بذلك، وعلامته إنفاق الأسلحة في صبيان الركاب من خزانة السلاح خاصة دون ما سواها، وأكثر ذلك إلى مصر، ويركب الوزير صحبته من ورائه على أخصر من النظام المتقدّم يعني في ركوب أوّل العام، وأقل جمع، فيخرج شاقا القاهرة وشوارعها على الجامع الطولونيّ