تعرف: بأبواب الغزاة بما فيه من النطرون فيصل دينارهم بالمناسبة إلى نصف دينار وحواليه، ويعين من هؤلاء القوّاد العشرة من يقع الإجماع عليه لرئاسة الأسطول المتوجه للغزو، فيكون معه الفانوس، وكلهم يهتدون به، ويقلعون بإقلاعه، ويرسون بإرسائه، ويقدّم على الأسطول أمير كبير من أعيان الأمراء، وأقواهم جنانا، ويتولى النفقة فيهم للغزو الخليفة بنفسه بحضور الوزير، فإذا أراد النفقة فيما تعين من عدّة المراكب السائرة.
وكانت آخر وقت تزيد على خمسة وسبعين شينيا، وعشر مسطحات، وعشر حمالة، فيتقدّم إلى النقباء بإحضار الرجال، ويسمع بذلك من هو خارج مصر والقاهرة، فيدخل إليها ولهم المشاهرة والجرايات المتقرّرة مدّة أيام السفر، وهم معروفون عند عشرين نقيبا، ولا يعترض أحد أحدا إلّا من رغب في ذلك من نفسه، فإذا اجتمعت العدّة المغلقة للمراكب المطلوبة أعلم المقدّم بذلك الوزير، فطالع الخليفة بالحال، وفرز يوم للنفقة، فحضر الوزير بالاستدعاء على العادة، فيجلس الخليفة على هيئته في مجلس، ويجلس الوزير في مكانه، ويحضر صاحبا ديوان الجيش، وهما المستوفي وهو أميرهما، ويجلس داخل عتبة المجلس، وهذه رتبة له مميزة، وكاتب الجيش الأصل، ويجلس بجانبه تحت العتبة على حصر مفروشة بالقاعة، ولا يخلو المستوفي أن يكون عدلا أو من أعيان الكتاب المسلمين، وأما كاتب الجيش: فيهوديّ في الأغلب، ويفرش أمام المجلس أنطاع تصب عليها الدراهم، ويحضر الوزانون ببيت المال لذلك، فإذا تهيأ الإنفاق أدخل القابضون مائة مائة، ويقفون في آخر الوقوف بين يدي الخليفة من جانب واحد نقابة نقابة، وتكون أسماؤهم قد رتبت في أوراق لاستدعائهم بين يدي الخليفة، ويستدعى مستوفي الجيش من تلك الأوراق واحدا واحدا، فإذا خرج اسمه عبر من الجانب الذي هو فيه إلى الجانب الخالي، فإذا تكمل عشرة رجال:
وزن الوزانون لهم النفقة، وكانت لكل واحد خمسة دنانير صرف، كل دينار ستة وثلاثون درهما، فيستلمها النقيب، وتكتبت بيده وباسمه، وتمضي النفقة كذلك إلى آخرها، فإذا تمّ ذلك اليوم، ركب الوزير من بين يدي الخليفة، وانفض ذلك الجمع، فيحمل من عند الخليفة مائدة يقال لها: غداء الوزير، هي سبع مجيفات أوساط إحداها بلحم دجاج وفستق، والبقية من شواء، وهي مكمورة بالأزهار، فتكون هذه عدّة أيام تارة متوالية، وتارة متفرّقة، فإذا تكملت النفقة، وتجهزت المراكب، وتهيؤت للسفر: ركب الخليفة والوزير إلى ساحل المقس، وذكر ابن أبي طي: أنّ المعز لدين الله، أنشأ ستمائة مركب، لم ير مثلها في البحر على مدينة وعمل دار صناعة بالمقس.
دار الملك: وكان من جملة مناظرهم: دار الملك بمصر، وهي من إنشاء الأفضل بن أمير الجيوش ابتدأ في بنائها وإنشائها في سنة إحدى وخمسمائة، فلما كملت تحوّل إليها من دار القباب بالقاهرة، وسكنها، وحوّل إليها الدواوين من القصر، فصارت بها، وجعل فيها الأسمطة، واتخذ بها مجلسا سماه: مجلس العطايا، كان يجلس فيه، فلما قتل الأفضل