ولما ولي المأمون البطائحيّ وزارة الآمر بأحكام الله بعد الأفضل بن أمير الجيوش، تحدّث الآمر معه في رؤية فتح هذا الخليج، وأن يكون له يوم كخليج القاهرة، فندب الآمر معه عدي الملك أبا البركات بن عثمان وكيله، وأمره بأن يبني على مكان السدّ منظرة متسعة، تكون من بحريّ السدّ، وسرّع في عمارتها بعد كمال النيل، وما زال يوم فتح سدّ هذا البحر يوما مشهودا إلى أن زالت الدولة الفاطمية.
فلما استولى بنو أيوب من بعدهم على مملكة مصر، أجروا الحال فيه على ما كان، قال القاضي الفاضل في متجدّدات سنة سبع وسبعين وخمسمائة: وركب السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب لفتح بحر أبي المنجا، وعاد. وقال: وفي سنة تسعين وخمسمائة، كسر بحر أبي المنجا بعد أن تأخر كسره عن عيد الصليب بسبعة أيام، وكان ذلك لقصور النيل في هذه السنة، ولم يباشر السلطان الملك العزيز عثمان ابن السلطان صلاح الدين بنفسه، وركب أخوه شرف الدين يعقوب الطواشي لكسره، وبدت في هذا اليوم من مخايل القبوط ما يوجبه سوء الأفعال من المجاهرة بالمنكرات، والإعلان بالفواحش، وقد أفرط هذا الأمر، واشترك فيه الآمر والمأمور، ولم ينسلخ شهر رمضان، إلّا وقد شهد ما لم يشهده رمضان قبله في الإسلام وبدا عقاب الله في الماء الذي كانت المعاصي على ظهره، فإنّ المراكب كان يركب فيها في رمضان الرجال والنساء مختلطين، مكشفات الوجوه، وأيدي الرجال تنال منها ما تنال في الخلوات، والطبول، والعيدان مرتفعات الأصوات، والصنجات، واستنابوا في الليل عن الخمر بالماء، والجلاب ظاهرا، وقيل: إنهم شربوا الخمر مستورا، وقربت المراكب بعضها من بعض، وعجز المنكر عن الإنكار إلّا بقلبه، ورفع الأمر إلى السلطان، فندب حاجبه في بعض الليالي، ففرّق منهم من وجده في الحالة الحاضرة، ثم عادوا بعد عوده، وذكر أنه وجد في بعض المعادي خمرا فأراقه.
ولما استهل شوّال وهو مطموع فيه تضاعف هذا المنكر، وفشت هذه الفاحشة، ونسأل الله العفو والعافية عن الكبائر، والتجاوز عما تسقط فيه المعاذر.
وقال: في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة: كسر بحر أبي المنجا، وباشر العزيز كسره، وزاد النيل فيه أصبعا، وهي الأصبع الثامنة عشرة من ثماني عشر ذراعا، وهذا الحدّ يسمى عند أهل مصر: اللجة الكبرى، وقد تلاشى في زمننا أمر الاجتماع في يوم فتح سدّ بحر أبي المنجا، وقلّ الاحتفال به لشغل الناس بهتمّ المعيشة.
قصر الورد بالخاقانية: وكان من أيام منتزهات الخلفاء يوم قصر الورد بناحية الخاقانية، وهي قرية من قرى قليوب «١» ، كانت من خاص الخليفة، وبها جنان كثيرة