للخليفة، وكانت من أحسن المنتزهات المصرية وكان بها عدّة دويرات يزرع فيها الورد، فيسير إليها الخليفة يوما، ويصنع له فيها قصر عظيم من الورد، ويخدم بضيافة عظيمة.
قال ابن الطوير عن الخليفة الآمر بأحكام الله: وعمل له بالخاقانية وكانت من خاص الخليفة، قصر من ورد فسار إليها يوما، وخدم بضيافة عظيمة، فلما استقرّ هناك، خرج إليه أمير يقال له: حسام الملك من الأمراء الذين كانوا مع المؤتمن أخي المأمون البطائحيّ، وتخاذلوا عنه، فوصل إلى الخاقانية، وهو لابس لأمة حربه والتمس المثول بين يديه يعني الخليفة، فاستقلّ ما جاء به في ذلك الوقت، مما ينافي ما فيه الخليفة من الراحة، والنزهة وحيل بينه وبين مقصوده، فقال لجماعة من حواشي الخليفة: أنتم منافقون على الخليفة إن لم أصل إليه، فإنه يعاقبكم بذلك، فأطلعوا الخليفة على أمره، وحليته بالسلاح، وقوله فأمر بإحضاره، فلما وقعت عينه عليه قال: يا مولانا، لمن تركت أعداءك؟ يعني الوزير المأمون البطائحيّ، وأخاه، وكان الآمر قد قبض عليهما، واعتقلهما هذا والعهد قريب غير بعيد أأمنت الغدر؟ فما أجابه إلّا وهو على الرهاويج من الخيل، فلم تمض ساعة إلّا، وهو بالقصر، فمضى إلى مكان اعتقال المأمون وأخيه، فزادهما وثاقا وحراسة، وفي أثناء ذلك، وصل ابن نجيب الدولة الذي كان سيره المأمون في وزارته إلى اليمن، لتحقيق نسبه أنه ولد من جارية نزار بن المستنصر، لما خرجت من القصر، وهي به حامل ويدعو إليه بقية الناس، وأحضر إلى القاهرة على جمل مشوّه، فأدخل خزانة البنود، وقتل هو والمأمون، وجماعة في تلك الليلة، وصلبوا ظاهر القاهرة.
بركة الجب: هي بظاهر القاهرة من بحريها، وتسميها العامّة في زمننا هذا الذي نحن فيه: بركة الحاج لنزول الحجاج بها عند مسيرهم من القاهرة إلى الحج في كل سنة، ونزولهم عند العود بها، ومنها يدخلون إلى القاهرة ومن الناس من يقول: جب يوسف، وهو خطأ، وإنما هي أرض جب عميرة، وعميرة هذا هو: ابن تميم بن جزء التجيبي من بني القرناء، نسبت هذه الأرض إليه، فقيل لها: أرض جب عميرة، ذكره ابن يونس، وكان من عادة الخليفة المستنصر بالله أبي تميم معدّ بن الظاهر بن الحاكم في كل سنة أن يركب على النجب مع النساء، والحشم إلى رجب عميرة هذا، وهو موضع نزهة بهيئة أنه خارج إلى الحج على سبيل اللعب والمجانة، وربما حمل معه الخمر في الروايا عوضا عن الماء، ويسقيه من معه، وأنشده مرّة الشريف أبو الحسن عليّ بن الحسين بن حيدرة العقيليّ في يوم عرفة:
قم فانحر الراح يوم النحر بالماء ... ولا تضح ضحى إلّا بصهباء
وادرك حجيج الندامى قبل نفرهم ... إلى منى قصفهم مع كل هيفاء
وعج على مكة الروحاء مبتكرا ... فطف بها حول ركن العود والنائي