لمن مضى منهم لا يبيع أحدهم ولا يشتري إلا قال: استأمر امرأتي. وقال: إن فرعون لما غرق ومعه أشراف مصر. لم يبق من الرجال من يصلح للمملكة، فعدّ الناس في مراتبهم بنت الملك؛ ملكة وبنت الوزير وزيرة وبنت الوالي وبنت الحاكم على هذا الحكم، وكذلك بنات القوّاد، والأجناد فاستولت النساء على المملكة مدّة سنين وتزوّجن بالعبيد واشترطن عليهم أن الحكم والتصرف لهنّ. فاستمرّ ذلك مدّة من الزمان، ولهذا صارت ألوان أهل مصر سمرا من أجل أنهم أولاد العبيد السود الذين نكحوا نساء القبط بعد الغرق، واستولدوهنّ؟!. وأخبرني الأمير الفاضل الثقة ناصر الدين محمد بن محمد بن الغرابيلي الكركيّ رحمه الله تعالى: أنه مذ سكن مصر يجد من نفسه رياضة في أخلاقه وترخصا لأهله ولينا ورقة طبع من قلة الغيرة، ومما لم نزل نسمعه دائما بين الناس إن شرب ماء النيل ينسي الغريب وطنه.
ومن أخلاق أهل مصر الإعراض عن النظر في العواقب فلا تجدهم يدّخرون عندهم زادا كما هي عادة غيرهم من سكان البلدان بل يتناولون أغذية كل يوم من الأسواق بكرة وعشيا.
ومن أخلاقهم: الانهماك في الشهوات والإمعان من الملاذ وكثرة الاستهتار وعدم المبالاة قال لي شيخنا الأستاذ أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون رحمه الله تعالى: أهل مصر كأنما فرغوا من الحساب. وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه سأل كعب الأحبار عن طبائع البلدان، وأخلاق سكانها فقال: إن الله تعالى لما خلق الأشياء جعل كل شيء لشيء فقال العقل: أنا لاحق بالشام، فقالت الفتنة: وأنا معك، وقال الخصب: أنا لاحق بمصر، فقال الذل: وأنا معك، وقال الشقاء: أنا لاحق بالبادية، فقالت الصحة: وأنا معك.
ويقال: لما خلق الله الخلق خلق معهم عشرة أخلاق: الإيمان والحياء والنجدة والفتنة والكبر والنفاق والغنى والفقر والذل والشقاء، فقال الإيمان: أنا لاحق باليمن، فقال الحياء:
وأنا معك. وقالت النجدة: أنا لا حقة بالشام، فقالت الفتنة: وأنا معك. وقال الكبر: أنا لاحق بالعراق، فقال النفاق: وأنا معك. وقال الغنى: أنا لاحق بمصر، فقال الذل: وأنا معك. وقال الفقر: أنا لاحق بالبادية، فقال الشقاء: وأنا معك.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: المكر عشرة أجزاء. تسعة منها في القبط وواحد في سائر الناس. ويقال: أربعة لا تعرف في أربعة: السخاء في الروم، والوفاء في الترك، والشجاعة في القبط، والعمر في الزنج.
ووصف ابن العربية «١» أهل مصر فقال: عبيد لمن غلب. أكيس الناس صغارا،