قال: وكان الوليد بن دومع العمليقي، قد خرج في جيش كثيف يتنقل في البلدان، ويقهر ملوكها ليسكن ما يوافقه منها. فلما صار إلى الشام انتهى إليه خبر مصر، وعظم قدرها وإن أمرها قد صار إلى النساء، وباد ملوكها. فوجه غلاما له يقال له: عون إلى مصر، وسار إليها بعده، واستباح أهلها وأخذ الأموال، وقتل جماعة من كهنتها، ثم سنح له أن يخرج ليقف على مصب النيل. فيعرف ما بحافتيه من الأمم فأقام ثلاث سنين يستعدّ لخروجه وخرج في جيش عظيم فلم يمرّ بأمّة إلا أبادها، ومرّ على أمم السودان، وجاوزهم ومرّ على أرض الذهب، فرأى فيها قضبانا نابتة من ذهب، ولم يزل يسير حتى بلغ البطيحة التي ينصب ماء النيل فيها من الأنهار التي تخرج من تحت جبل القمر. وسار حتى بلغ البطيحة هيكل الشمس، وتجاوزه حتى بلغ جبل القمر، وهو جبل عال وإنما سمي: جبل القمر لأنّ القمر لا يطلع عليه لأنه خارج من تحت خط الاستواء، ونظر إلى النيل يخرج من تحته فيمرّ في طريق وأنهار دقاق حتى ينتهي إلى حظيرتين، ثم يخرج منهما في نهرين حتى ينتهي إلى حظيرة أخرى، فإذا جاوز خط الاستواء مدّته عين تخرج من ناحية نهر مكران بالهند؛ وتلك العين أيضا تخرج من تحت جبل القمر إلى ذلك الوجه. ويقال: إن نهر مكران، مثل النيل يزيد وينقص، وفيه التماسيح والأسماك التي مثل أسماك النيل.
ووجد الوليد بن دومع: القصر الذي فيه التماثيل النحاس التي عملها هرمس الأوّل في وقت البودشير بن قنطريم بن قبطيم ابن مصرايم. وقد ذكر قوم من أهل الأثر أن الأنهار الأربعة تخرج من أصل واحد من قبة في أرض الذهب التي من وراء البحر المظلم وهي سيحون، وجيحون، والفرات، والنيل. وأن تلك الأرض من أرض الجنة. وأن تلك القبة من زبرجد، وأنها قبل أن تسلك البحر المظلم أحلى من العسل وأطيب رائحة من الكافور.
وممن جاء بهذا رجل من ولد العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام وصل إلى تلك القبة؛ وقطع البحر المظلم وكان يقال له: حايد، وقال آخرون: تنقسم هذه الأنهار على اثنين وسبعين قسما حذاء اثنين وسبعين لسانا للأمم. وقال آخرون: هذه الأنهار من ثلوج تتكاثف ويذيبها الحرّ، فتسيل إلى هذه الأنهار وتسقي من عليها لما يريد الله عز وجل من تدبير خلقه قالوا: ولما بلغ الوليد جبل القمر، رأى جبلا عاليا؛ فعمل حيلة إلى أن صعد إليه ليرى ما خلفه، فأشرف على البحر الأسود الزفتي المنتن، ونظر إلى النيل يجري عليه كالأنهار الدقاق. فأتته من ذلك البحر روائح منتنة هلك كثير من أصحابه من أجلها، فأسرع النزول بعد أن كاد يهلك.
وذكر قوم: أنهم لم يروا هناك شمسا ولا قمرا إلا نورا أحمر كنور الشمس عند غيابها.
وأما ما ذكر عن حايد وقطعه البحر المظلم ماشيا عليه لا يلصق بقدمه منه شيء؛ وكان فيما يذكر نبيا وأوتي حكمة وأنه سأل الله تعالى: أن يريه منتهى النيل، فأعطاه قوّة على ذلك