فيقال: إنه أقام يمشي عليه ثلاثين سنة في عمران وعشرين سنة في خراب. قالوا: وأقام الوليد في غيبته أربعين سنة، وعاد ودخل منف، وأقام بمصر فاستعبد أهلها واستباح حريمهم وأموالهم وملكهم مائة وعشرين سنة؛ فأبغضوه وسئموه إلى أن ركب في بعض أيامه متصيدا فألقاه فرسه في وهدة فقتله، واستراح الناس منه.
وقال قدامة بن جعفر «١» في كتاب الخراج: انبعاث النيل من جبل القمر وراء خط الاستواء من عين تجري منها عشرة أنهار كل خمسة منها تصب إلى بطيحة، ثم يخرج من كل بطيحة نهران، وتجري الأنهار الأربعة إلى بطيحة كبيرة في الإقليم الأوّل، ومن هذه البطيحة «٢» يخرج نهر النيل.
وقال في كتاب نزهة المشتاق إلى اختراق الآفاق: إن هذه البحيرة تسمى بحيرة كوري منسوبة لطائفة من السودان يسكنون حولها. متوحشين يأكلون من وقع إليهم من الناس، ومن هذه البحيرة يخرج لهم نهر غانة وبحر الحبشة، فإذا خرج النيل منها يشق بلاد كوري، وبلادينه. وهم طائفة من السودان بين كاتم والنوبة فإذا بلغ دنقلة مدينة النوبة عطف من غربيها، وانحدر إلى الإقليم الثاني فيكون على شطيه عمارة النوبة. وفيه هناك جزائر متسعة عامرة بالمدن والقرى ثم يشرق إلى الجنادل.
وقال المسعودي رحمه الله تعالى: رأيت في كتاب جغرافيا: النيل مصوّرا ظاهرا من تحت جبل القمر، ومنبعه ومبدأ ظهوره من اثني عشرة عينا؛ فتصب تلك المياه إلى بحيرتين هنالك كالبطائح ثم يجتمع الماء منهما جاريا فيمرّ برمال هنالك وجبال، ويخرق أرض السودان فيما يلي بلاد الزنج، فيتشعب منه خليج يصب في بحر الزنج، ويجري على وجه الأرض تسعمائة فرسخ. وقيل: ألف فرسخ في عامر وغامر من عمران، وخراب حتى يأتي أسوان من صعيد مصر.
وقال في كتاب هردسوس: نهر النيل مخرجه من ريف بحر القلزم، ثم يميل إلى ناحية الغرب فيصير في وسطه جزيرة، وآخر ذلك يميل إلى ناحية الشمال فيسقي أرض مصر.
وقيل: إن مخرجه من عين فيما يجاوز الجبل، ثم يغيب في الرمال ثم يخرج غير بعيد فيصير له محبس عظيم، ثم يساير البحر المحيط على قفار الحبشة، ثم يميل على اليسار إلى أرض مصر، فيحق ما يظن بهذا النهر أنه عظيم إذ كان مجراه على ما حكيناه.
قال: ونهر النيل وهو الذي يسمى بلون مخرجه خفيّ ولكن ظاهر إقباله من أرض الحبشة، ويصير له هناك محبس عظيم مجراه إليه مائتا ميل وذكر مخرجه حتى ينتهي إلى