رياضا وزهر وشجرا؛ وهو موصوف مألوف، قالت «١» فيه الشعراء؛ فمن قال فيه الشعر، وغنّى فيه، عبد الله بن محمد بن زبيدة.
قال ابن أخى جناح: كنت مع عبد الله بن محمد الأمين «٢» وقد خرج إلى نواحى الجزيرة، وكانت له هناك ضياع كثيرة، ونحن معه، فمررنا بدير حنظلة؛ وكأن ما حواليه «٣» من الرياض حلل وشى، وهو فى صحراء بعيدة من الفرات، فنزل هناك، وأمر غلمانه، ففتحوا له الدّير، فنزل «٤» وشرب، وكان حسن الضرب بالعود، حسن الصوت طيبه، فأنشأ يقول:
ألا يادير حنظلة المفدّى ... لقد أورثتنى تعبا «٥» وكدّا
ألا يادير جادتك الغوادى ... سحابا حمّات برقا ورعدا
قال: فأقمنا به عشرة أيام نصطبح فى كل يوم، وألقى علىّ وعلى من كان معى من المغنّين، لحنا صنعه فى هذا الشعر، ما سمعت أملح منه، على كثرة صنعته فى شعره.
وحنظلة الذي نسب إليه هذا الدير: رجل من طيّىء، يعرف بابن أبى عفران «٦» ، وهو من رهط أبى زبيد الطائىّ، وكان من شعراء الجاهلية، تم تنصر، وفارق بلاد قومه، ونزل الجزيرة مع النصارى، حتى فقه «٧» دينهم، وبلغ نهايته، وابتاع «٨» ماله، وبنى هذا الدير، وترهب فيه حتى مات.