للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أطري عيسى بن مريم وقولوا عبد الله ورسوله".

ثم إنه بلغني أن قائلًا منكم يقول والله لو قد مات عمر بايعت فلانًا، فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر.

من بايع رجلًا من غير مشورة من المسلمين، فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا (١)، وإنه قد كان من خبرنا حين توفي الله نبيه ، أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر، انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا ما تمالأ عليه القوم فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم. فقلت: والله لنأتينهم. فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمل (٢) بين ظهراينهم، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: يوعك.

فلما جلسنا قليلًا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإِسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط، وقد دفت دافة من قومكم (٣)، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يخصنونا من الأمر. فلما سكت أردت أن أتكلم -وكنت قد زورت مقالة (٤) أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر- وكنت أداري منه بعض الحد (٥)، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك. فكرهت أن أغضبه. فتكلم أبو بكر، فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت.

فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا


(١) تغرة أن يقتلا: أي جميعًا.
(٢) رجل مزمل: أي ملتف يقال تزمل الرجل إذا التف في كساء أو غيره.
(٣) وقد دفت دافة: الدافة: الجماعة تأتي من البادية إلى الحاضرة والدافة أيضًا: الجماعة تسير في رفق.
(٤) وقد زورت مقالة: زور الكلام إذا أصلحه وحسنه.
(٥) أداري منه بعض الحد: أي أنه كان في خلقه حده، فكان عمر يداريه.

<<  <   >  >>