تَأْخِيرُ الْجِهَادِ) لِمَصْلَحَةٍ (فَمَتَى رَأَى) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (الْمَصْلَحَةَ فِي عَقْدِهَا لِضَعْفٍ فِي الْمُسْلِمِينَ عَنْ الْقِتَالِ، أَوْ لِمَشَقَّةِ الْغَزْوِ أَوْ لِطَمَعِهِ فِي إسْلَامِهِمْ، أَوْ فِي أَدَائِهِمْ الْجِزْيَةَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) مِنْ الْمَصَالِحِ (جَازَ) لَهُ عَقْدُهَا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " هَادَنَ قُرَيْشًا لَكِنْ قَوْلُهُ: لِطَمَعِهِ فِي إسْلَامِهِمْ رِوَايَةٌ قَطَعَ بِهَا فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ وَالثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ عَقْدُهَا لِذَلِكَ وَيَقْتَضِي كَلَامُهُ فِي الْإِنْصَافِ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ صَحَّحَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَقْدُهَا إلَّا حَيْثُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْجِهَادِ، كَمَا هُوَ صَدْرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْجِهَادِ لِذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَيَجُوزُ عَقْدُ الْهُدْنَةِ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ (وَلَوْ بِمَالٍ مِنَّا ضَرُورَةً) مِثْلَ أَنْ يَخَافَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْهَلَاكَ أَوْ الْأَسْرَ،؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَسِيرِ فِدَاءُ نَفْسِهِ بِالْمَالِ فَكَذَا هُنَا وَجَازَ تَحَمُّلُ صَغَارٍ دَفَعَهُ لِدَفْعِ صَغَارٍ أَعْظَمَ مِنْهُ وَهُوَ الْقَتْلُ أَوْ الْأَسْرُ، وَسَبْيُ الذُّرِّيَّةِ الْمُفْضِي إلَى كُفْرِهِمْ وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْمَغَازِي عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَهُوَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ يَعْنِي يَوْمَ الْأَحْزَابِ أَرَأَيْت إنْ جَعَلْتُ لَك ثُلُثَ ثَمَرِ الْأَنْصَارِ أَتَرْجِعُ بِمَنْ مَعَك مِنْ غَطَفَانَ أَوْ تُخَذِّلُ بَيْنَ الْأَحْزَابِ؟ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُيَيْنَةُ إنْ جَعَلْتَ الشِّطْرَ فَعَلْتُ» وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَمَا بَذَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مُدَّةً مَعْلُومَةً) ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ تَقْدِيرُهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا كَخِيَارِ الشَّرْطِ (وَلَوْ فَوْقَ عَشْرِ سِنِينَ) لِأَنَّهَا تَجُوزُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشْرٍ فَجَازَتْ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا كَمُدَّةِ الْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ عَقْدُهَا لِلْمَصْلَحَةِ فَحَيْثُ وُجِدَتْ جَازَتْ تَحْصِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ.
(وَإِنْ هَادَنَهُمْ مُطْلَقًا) بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِمُدَّةٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي التَّأْيِيدَ وَذَلِكَ يُفْضِي إلَى تَرْكِ الْجِهَادِ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ (أَوْ) هَادَنَهُمْ (مُعَلِّقًا بِمَشِيئَةٍ كَمَا شِئْنَا أَوْ شِئْتُمْ أَوْ شَاءَ فُلَانٌ أَوْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ) عَلَيْهِ (لَمْ يَصِحَّ) كَالْإِجَارَةِ وَلِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ.
(وَإِنْ نَقَضُوا) أَيْ: الْمُهَادَنُونَ (الْعَهْدَ بِقِتَالٍ أَوْ مُظَاهَرَةٍ) أَيْ: مُعَاوَنَةِ عَدُوِّنَا عَلَيْنَا (أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ وَحَلَّتْ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " قَتَلَ رِجَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ حِينَ نَقَضُوا عَهْدَهُ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ " وَلَمَّا هَادَنَ قُرَيْشًا فَنَقَضُوا عَهْدَهُ حَلَّ لَهُ مِنْهُمْ مَا كَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ.
(وَإِنْ نَقَضَ بَعْضُهُمْ) الْعَهْدَ (دُونَ بَعْضٍ فَسَكَتَ بَاقِيهِمْ عَنْ النَّاقِضِ) لِلْعَهْدِ (وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ إنْكَارٌ) عَلَى النَّاقِضِ (وَلَا مُرَاسِلَةُ الْإِمَامِ) فِي شَأْنِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute