إذَا شَرَطَ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ نَقْضَهَا مَتَى شَاءَ، فَإِنَّهُ يَنْبُ غِي أَنَّ لَا تَصِحَّ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّ طَائِفَةَ الْكُفَّارِ يَبْنُونَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَلَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ الْجِهَتَيْنِ فَيَفُوتُ مَعْنَى الْهُدْنَةِ (فَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ) أَيْ: بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ.
(وَلَا يَجُوزُ) الْوَفَاءُ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَأَمَّا الطِّفْلُ الَّذِي لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ) وَهُوَ مَنْ دُونَ التَّمْيِيزِ (فَيَجُوزُ شَرْطُ رَدِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ شَرْعًا.
(وَمَتَى وَقَعَ الْعَقْدُ) لِلْهُدْنَةِ (بَاطِلًا، فَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ الْكُفَّارِ) الْعَاقِدِينَ لَهُ (دَارَ الْإِسْلَامِ مُعْتَقِدِينَ الْأَمَانَ، كَانُوا آمَنِينَ وَيُرَدُّونَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَلَا يُقَرُّونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) لِبُطْلَانِ الْأَمَانِ.
(وَإِنْ شَرَطَ رَدَّ مَنْ جَاءَ مِنْ الرِّجَالِ مُسْلِمًا جَازَ لِحَاجَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَشِيرَةٌ تَحْمِيهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ كَظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَقُوَّتِهِمْ فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ (فَلَا يَمْنَعُهُمْ) أَيْ: الْكُفَّارَ الْإِمَامُ (أَخْذَهُ) أَيْ: أَخْذَ الرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا.
(وَلَا يُجْبِرُهُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: عَلَى الْعَوْدِ مَعَهُمْ «؛ لِأَنَّ أَبَا بَصِيرٍ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ فَجَاءُوا فِي طَلَبِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّا لَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لَك فَرَجًا وَمَخْرَجًا فَرَجَعَ مَعَ الرَّجُلَيْنِ فَقُتِلَ أَحَدُهُمَا وَرَجَعَ فَلَمْ يَلُمْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (وَلَهُ) أَيْ: الْإِمَامِ (أَنْ يَأْمُرَهُ سِرًّا بِقِتَالِهِمْ وَبِالْهَرَبِ مِنْهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ إلَى بَاطِلٍ فَكَانَ لَهُ الْأَمْرُ بِعَدَمِهِ كَالْمَرْأَةِ إذَا سَمِعَتْ طَلَاقَهَا.
وَفِي التَّرْغِيبِ يَعْرِضُ لَهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ (وَلَهُ) أَيْ: لِمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ مُسْلِمًا (وَلِمَنْ أَسْلَمَ مَعَهُ أَنْ يَتَحَيَّزُوا نَاحِيَةً، وَيَقْتُلُوا مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ الْكُفَّارِ وَيَأْخُذُوا أَمْوَالَهُمْ وَلَا يَدْخُلُونَ فِي الصُّلْحِ فَإِنْ ضَمَّهُمْ الْإِمَامُ إلَيْهِ بِإِذْنِ الْكُفَّارِ دَخَلُوا فِي الصُّلْحِ) وَحَرُمَ عَلَيْهِمْ قِتَالُ الْكُفَّارِ وَأَخْذُ أَمْوَالِهِمْ «؛ لِأَنَّ أَبَا بَصِيرٍ لَمَّا رَجَعَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ، قَدْ رَدَدْتَنِي إلَيْهِمْ وَأَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَلُمْهُ، بَلْ قَالَ: وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ» فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ أَبُو بَصِيرٍ لَحِقَ بِسَاحِلِ الْبَحْر وَانْحَازَ إلَيْهِ أَبُو جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ فَجَعَلُوا لَا يَمُرُّ عَلَيْهِمْ عِيرٌ لِقُرَيْشٍ إلَّا عَرَضُوا لَهَا وَأَخَذُوهَا وَقَتَلُوا مَنْ مَعَهَا فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُنَاشِدُهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ أَنْ يَضُمَّهُمْ إلَيْهِ وَلَا يَرُدَّ إلَيْهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute