اجْتَمَعَتْ الشُّرُوطُ) السَّابِقُ ذِكْرُهَا، وَتَأْتِي أَيْضًا (مَا لَمْ يَخَفْ غَائِلَةً مِنْهُمْ) أَيْ: غَدْرًا بِتَمَكُّنِهِمْ مِنْ الْإِقَامَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَجُوزُ عَقْدُهَا، لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْنَا.
(وَصِفَةُ عَقْدِهَا أَقْرَرْتُكُمْ بِجِزْيَةٍ وَاسْتِسْلَامٍ) أَيْ: انْقِيَادٍ وَالْتِزَامٍ لِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ (أَوْ يَبْذُلُونَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: أَقْرَرْتُكُمْ عَلَى ذَلِكَ وَنَحْوِهِمَا) أَيْ: هَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ كَقَوْلِهِ: عَاهَدْتُكُمْ عَلَى أَنْ تُقِيمُوا بِدَارِنَا بِجِزْيَةٍ وَالْتِزَامِ حُكْمِنَا، وَلَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ قَدْرِ الْجِزْيَةِ فِي الْعَقْدِ (فَالْجِزْيَةُ) مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْجَزَاءِ (مَالٌ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَة أَيْ: الذِّلَّةِ وَالِامْتِهَانِ (كُلَّ عَامٍ بَدَلًا عَنْ قَتْلِهِمْ وَإِقَامَتِهِمْ بِدَارِنَا) فَإِنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَبْذُلُوهَا، لَمْ يَكْفِ عَنْهُمْ.
(وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ الذِّمَّةِ الْمُؤَبَّدَةِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا الْتِزَامُ إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ كُلَّ حَوْلٍ وَالثَّانِي الْتِزَامُ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ قَبُولُ مَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَدَاءِ حَقٍّ أَوْ تَرْك مُحَرَّمٍ) فَإِنْ عَقَدَ عَلَى غَيْرِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ لَمْ يَصِحَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] قِيلَ: الصَّغَارُ جَرَيَانُ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ.
(وَلَا يَجُوزُ عَقْدُهَا، إلَّا لِأَهْلِ الْكِتَابَيْنِ) التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى (وَلِمَنْ وَافَقَهُمَا) أَيْ: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى (فِي التَّدَيُّنِ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ كَالسَّامِرَةِ) قَبِيلَةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ نُسِبَ إلَيْهِمْ السَّامِرِيُّ وَيُقَالُ لَهُمْ فِي زَمَنِنَا سَمَرَةٌ بِوَزْنِ شَجَرَةٍ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْيَهُودِ يَتَشَدَّدُونَ فِي دِينِهِمْ وَيُخَالِفُونَهُمْ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ.
(وَالْفِرِنْجَةِ) وَهُمْ الرُّومُ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو الْأَصْفَرِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهَا مُوَلَّدَةٌ نِسْبَةً إلَى فَرَنْجَةَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَسُكُونِ ثَالِثِهِ وَهِيَ جَزِيرَةٌ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا فَرَنْجِيٌّ ثُمَّ حُذِفَتْ الْيَاءُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: ٢٩] إلَى قَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] «وَقَوْلُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ لِعَامِلِ كِسْرَى أَمَرَنَا نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
وَالْإِجْمَاعُ عَلَى قَبُولِ الْجِزْيَةِ لِمَنْ بَذَلَهَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَنْ يَلْحَقُ بِهِمْ وَإِقْرَارُهُمْ بِذَلِكَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (وَلِمَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ كَالْمَجُوسِ) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْهُمْ «حَتَّى شَهِدَ عِنْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute