قَالَ «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ؛ لِأَنَّهُ رَوَى أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ فَرُفِعَ فَصَارَ لَهُمْ بِذَلِكَ شُبْهَةٌ أَوْجَبَتْ حَقْنَ دِمَائِهِمْ.
وَأَخْذَ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ وَلَا تَنْهَضُ فِي إبَاحَةِ نِسَائِهِمْ وَحِلِّ ذَبَائِحِهِمْ (وَ) (كَالصَّابِئِينَ وَهُمْ جِنْسٌ مِنْ النَّصَارَى نَصًّا) وَعَنْهُ أَنَّهُمْ يَسْبِتُونَ وَرَوَى عَنْ عُمَرَ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْيَهُودِ. وَقَالَ مُجَاهِدُ: هُمْ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَرُوِيَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْفَلَكَ حَيٌّ نَاطِقٌ، وَأَنَّ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ آلِهَةٌ وَحِينَئِذٍ فَهُمْ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ (وَمَنْ عَدَاهُمْ) أَيْ: عَدَا أَهْلَ الْكِتَابِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي التَّدَيُّنِ بِالْكِتَابَيْنِ وَمَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ كَالْمَجُوسِ (فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الْقَتْلُ) لِحَدِيثِ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» خَصَّ مِنْهُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ لِمَا تَقَدَّمَ وَبَقِيَ مَنْ عَدَاهُمْ عَلَى الْأَصْلِ فَأَمَّا أَهْلُ صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ وَزَبُورِ دَاوُد فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ أُولَئِكَ وَلِأَنَّ هَذِهِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَرَائِعُ إنَّمَا هِيَ مَوَاعِظُ وَأَمْثَالٌ كَذَلِكَ وَصَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُحُفَ إبْرَاهِيمَ وَزَبُورَ دَاوُد فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ.
(وَإِذَا عَقَدَ الْإِمَامُ) أَوْ نَائِبُهُ (الذِّمَّةَ لِكُفَّارٍ زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ يَقِينًا أَنَّهُمْ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ) أَوْ نَحْوُهُمْ (فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ) لِفَوَاتِ شَرْطِهِ.
(وَمَنْ انْتَقَلَ إلَى أَحَدِ الْأَدْيَانِ الثَّلَاثَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا بِأَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ أَوْ تَمَجَّسَ قَبْلَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ فَلَهُ حُكْمُ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ إقْرَارِهِ بِالْجِزْيَةِ وَغَيْرِهِ) كَحِلِّ ذَبِيحَتِهِ وَمُنَاكَحَتِهِ إذَا تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ.
(وَكَذَا) مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ أَوْ تَمَجَّسَ (بَعْدَ بَعْثَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْبَلُهَا مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بِذَلِكَ لَسَأَلَ عَنْهُ وَلَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ.
(وَكَذَا مَنْ وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ لَا تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا) كَمَنْ وُلِدَ بَيْنَ مَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيَّةٍ (إذَا اخْتَارَ دِينَ مَنْ يُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ) فَتُقْبَلُ مِنْهُ لِعُمُومِ النَّصِّ فِيهِمْ وَلِأَنَّهُ اخْتَارَ أَفْضَلَ الدِّينَيْنِ، وَأَقَلَّهُمَا كُفْرًا (وَيَأْتِي إذَا انْتَقَلَ أَحَدُ أَهْلِ الْأَدْيَانِ الثَّلَاثَةِ إلَى غَيْرِ دِينِهِ) فِي الْبَابِ مُفَصَّلًا " تَتِمَّةٌ " فِي تَسْمِيَةِ الْيَهُودِ بِذَلِكَ أَقْوَالٌ إمَّا لِأَنَّهُمْ هَادُوا عَنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ أَيْ: تَابُوا أَوْ لِأَنَّهُمْ مَالُوا عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَهَوَّدُونَ عِنْدَ قِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ أَيْ: يَتَحَرَّكُونَ أَوْ لِنِسْبَتِهِمْ إلَى يَهُودِ بْنِ يَعْقُوبَ بِالْمُعْجَمَةِ ثُمَّ عُرِّبَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالنَّصَارَى وَاحِدُهُمْ نَصْرَانِيٌّ وَالْأُنْثَى نَصْرَانِيَّةٌ نِسْبَةً إلَى قَرْيَةٍ بِالشَّامِّ يُقَالُ لَهَا نَصْرَانُ وَنَاصِرَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute