وَاجِبًا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ صَغَارًا وَعُقُوبَةً فَاخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِهِمْ (وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ) فِي الْجِزْيَةِ (عَنْ كُلِّ اثْنَيْ عَشْرَةَ دِرْهَمًا دِينَارًا) ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ لَهَا قِيمَةً بِحَسْبِ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ.
(وَلَا يَتَعَيَّنُ أَخْذُهَا) أَيْ: الْجِزْيَةِ (مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ بَلْ كُلُّ الْأَمْتِعَةِ بِالْقِيمَةِ) لِحَدِيثِ مُعَاذٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ يَعْنِي مُحْتَلِمًا - دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ - ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
(وَيَجُوزُ أَخْذُ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ عَنْ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ إذَا تَوَلَّوْا بَيْعَهَا وَقَبَضُوهُ) أَيْ: الثَّمَنَ،؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ الَّتِي نُقِرُّهُمْ عَلَى اقْتِنَائِهَا كَثِيَابِهِمْ قَالَ فِي أَحْكَامِ الذِّمَّةِ قُلْت: وَلَوْ بَذَلُوهَا فِي ثَمَنِ مَبِيعٍ، أَوْ إجَارَةٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ بَدَلِ مُتْلَفٍ جَازَ لِلْمُسْلِمِ أَخْذُهَا وَطَابَتْ لَهُ (وَالْغَنِيُّ فِيهِمْ مَنْ عَدَّهُ النَّاسُ غَنِيًّا عُرْفًا) ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ تَوْقِيفِيَّةٌ، وَلَا تَوْقِيفَ هُنَا فَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ، وَالْحِرْزِ.
(وَمَتَى بَذَلُوا الْوَاجِبَ) عَلَيْهِمْ مِنْ الْجِزْيَةِ (لَزِمَ قَبُولُهُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ «اُدْعُهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ» .
(وَدَفَعَ مَنْ قَصَدَهُمْ بِأَذًى فِي دَارِنَا) وَلَوْ كَانُوا مُنْفَرِدِينَ بِبَلَدٍ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَالْمُنْفَرِدُونَ بِبَلَدٍ مُتَّصِلٍ بِبَلَدِنَا يَجِبُ ذَبُّ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْهُمْ عَلَى الْأَشْبَهِ، وَلَوْ شَرَطْنَا أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ فَإِنْ كَانُوا بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَلْزَمْنَا الذَّبُّ عَنْهُمْ (وَحَرُمَ قِتَالُهُمْ وَأَخْذُ مَالِهِمْ) بَعْدَ إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ غَايَةً لِقِتَالِهِمْ.
(وَمَنْ أَسْلَمَ) مِنْهُمْ (بَعْدَ الْحَوْلِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْجِزْيَةُ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ جِزْيَةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ سَبَبُهَا الْكُفْرُ فَسَقَطَتْ بِالْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ إسْلَامُهُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ لَمْ تُؤْخَذْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
وَ (لَا) الْجِزْيَةُ (إنْ مَاتَ) الذِّمِّيُّ بَعْدَ الْحَوْلِ (أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ مَانِعٌ مِنْ جُنُونٍ وَنَحْوِهِ) كَعَمًى (فَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَةِ مَيِّتٍ وَمِنْ مَالِ حَيٍّ) لِأَنَّهَا دَيْنٌ فَلَمْ تَسْقُطْ بِذَلِكَ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ (وَإِنْ طَرَأَ الْمَانِعُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ كَمَوْتٍ سَقَطَتْ) ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تَجِبُ وَلَا تُؤْخَذُ قَبْلَ كَمَالِ حَوْلِهَا.
(وَمَنْ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ سِنِينَ اُسْتُوْفِيَتْ كُلُّهَا وَلَمْ تَتَدَاخَلْ) كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَلِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ يَجِبُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ فَلَمْ تَتَدَاخَلْ كَالدِّيَةِ.
(وَتُؤْخَذُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute