النَّارُ) لِقَوْلِ جَابِرٍ «كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ (وَلَا يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ الْقَهْقَهَةِ وَأَكْلِ مَا مَسَّتْ النَّارُ.
(وَمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ) وَشَكَّ، (أَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) وَهُوَ الطَّهَارَةُ فِي الْأُولَى وَالْحَدَثُ فِي الثَّانِيَةِ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ «شُكِيَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلِأَنَّهُ إذَا شَكَّ تَعَارَضَ عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ، فَيَجِبُ سُقُوطُهُمَا كَالْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا، وَيُرْجَعُ إلَى الْيَقِينِ.
(وَلَوْ عَارَضَهُ ظَنٌّ) ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ضَابِطٌ فِي الشَّرْعِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهَا، كَظَنِّ صِدْقِ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ وَالْوَقْتِ، هَذَا اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ، وَعِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ: إنْ تَسَاوَى الِاحْتِمَالَانِ فَهُوَ شَكٌّ وَإِلَّا فَالرَّاجِحُ ظَنٌّ وَالْمَرْجُوحُ وَهْمٌ وَالْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِلُّغَةِ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الشَّكُّ خِلَافُ الْيَقِينِ.
وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ فِي مُقَدِّمَةِ الرَّوْضَةِ فِي الْأُصُولِ: مَا أَذْعَنَتْ النَّفْسُ لِلتَّصْدِيقِ بِهِ وَقَطَعَتْ بِهِ، وَقَطَعَتْ بِأَنَّ قَطْعَهَا صَحِيحٌ.
وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: فِي تَسْمِيَةِ مَا هُنَا يَقِينًا بَعْدَ وُرُودِ الشَّكِّ عَلَيْهِ نَظَرٌ نَعَمْ كَانَ يَقِينًا ثُمَّ صَارَ الْآنَ شَكًّا فَاعْتُبِرَتْ صِفَتُهُ السَّابِقَةُ وَقُدِّمَتْ عَلَى صِفَتِهِ اللَّاحِقَةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ السَّابِقِ، لِمَا قَارَنَهُ مِنْ الْيَقِينِ، وَتَقْدِيمًا لَهُ عَلَى الْوَصْفِ اللَّاحِقِ، لِنُزُولِهِ عَنْ دَرَجَتِهِ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ الشَّكُّ (فِي غَيْرِ صَلَاةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (فَإِنْ تَيَقَّنَهُمَا) أَيْ: تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَالْحَدَثَ،.
أَيْ: تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَرَّةً كَانَ مُتَطَهِّرًا وَمَرَّةً كَانَ مُحْدِثًا، وَكَانَ ذَلِكَ وَقْتَ الظُّهْرِ مَثَلًا (وَجَهِلَ أَسْبَقَهُمَا) بِأَنْ لَمْ يَدْرِ هَلْ اتِّصَافُهُ بِالطَّهَارَةِ سَابِقٌ عَلَى اتِّصَافِهِ بِالْحَدَثِ أَوْ بِالْعَكْسِ (فَهُوَ عَلَى ضِدِّ حَالِهِ قَبْلَهُمَا) إنْ عَلِمَ قَبْلَهُمَا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي الْمِثَالِ مُحْدِثًا فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ انْتَقَلَ عَنْ هَذَا الْحَدَثِ إلَى الطَّهَارَةِ، وَلَمْ يَتَيَقَّنْ زَوَالَهَا، وَالْحَدَثُ الْمُتَيَقَّنُ قَبْلَ الزَّوَالِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الطَّهَارَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَعْدَهَا، فَوُجُودُهُ بَعْدَ هَذَا مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يَزُولُ عَنْ طَهَارَةٍ مِنْهُ مُتَيَقَّنَةٍ بِشَكٍّ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ مُتَطَهِّرًا فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ.
(فَإِنْ جَهِلَ قَبْلَهُمَا) بِأَنْ لَمْ يَدْرِ: هَلْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ مُتَطَهِّرًا أَوْ مُحْدِثًا (تَطَهَّرَ) وُجُوبًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute