(بَعْدَ غُسْلِهَا لَيَقْطَعَ الرَّائِحَةَ) أَيْ: رَائِحَةَ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَسْمَاءِ لَمَّا سَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْحَيْضِ: ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطْهُرُ بِهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَالْفِرْصَةُ الْقِطْعَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (فَإِنْ لَمْ تَجِدْ) مِسْكًا (فَطِيبًا) لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمِسْكِ فِي ذَلِكَ لَا لِمُحْرِمَةٍ فَإِنَّ الطِّيبَ بِأَنْوَاعِهِ يَمْتَنِعُ عَلَيْهَا لِمَا يَأْتِي فِي الْإِحْرَامِ (فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَطِينًا، وَلَوْ مُحْرِمَةً فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْمَاءُ) الطَّهُورُ (كَافٍ) لِحُصُولِ الطَّهَارَةِ بِهِ.
(وَالْغُسْلُ الْمُجْزِئُ) وَهُوَ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ فَقَطْ (أَنْ يُزِيلَ مَا بِهِ) أَيْ: بِبَدَنِهِ (مِنْ نَجَاسَةٍ أَوْ غَيْرِهَا تَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ إنْ وُجِدَ) مَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهَا، لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى الْبَشَرَةِ (وَيَنْوِيَ) كَمَا تَقَدَّمَ، لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (ثُمَّ يُسَمِّيَ) قَالَ أَصْحَابُنَا: هِيَ هُنَا كَالْوُضُوءِ، قِيَاسًا لِإِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى.
وَفِي الْمُغْنِي: أَنَّ حُكْمَهَا هُنَا أَخَفُّ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ التَّسْمِيَةِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ بِصَرِيحِهِ الْوُضُوءَ لَا غَيْرُ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ وُضُوءٌ وَزِيَادَةٌ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوُضُوءٍ وَلِذَلِكَ لَا تَكْفِي نِيَّةُ الْغُسْلِ عَنْهُ (ثُمَّ يَعُمَّ بَدَنَهُ بِالْغَسْلِ) فَلَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ (حَتَّى فَمَهُ وَأَنْفَهُ) فَتَجِبُ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فِي غُسْلٍ (كَوُضُوءٍ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) حَتَّى (ظَاهِرَ شَعْرِهِ وَبَاطِنِهِ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، مُسْتَرْسِلًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.
لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ» (مَعَ نَقْضِهِ) أَيْ: الشَّعْرِ وُجُوبًا (لِغُسْلِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ لَا) غُسْلِ (جَنَابَةٍ إذَا رَوَتْ أُصُولَهُ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا «إذَا كُنْتِ حَائِضًا خُذِي مَاءَكِ وَسِدْرَكِ وَامْتَشِطِي» وَلَا يَكُونُ الْمَشْطُ إلَّا فِي شَعْرٍ غَيْرِ مَضْفُورٍ وَلِلْبُخَارِيِّ «اُنْقُضِي شَعْرَكِ وَامْتَشِطِي» وَلِابْنِ مَاجَهْ «اُنْقُضِي شَعْرَكِ وَاغْتَسِلِي» وَلِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ نَقْضِ الشَّعْرِ لِتَحَقُّقِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى مَا يَجِبُ غَسْلُهُ فَعُفِيَ عَنْهُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فَشَقَّ ذَلِكَ فِيهِ، وَالْحَيْضُ بِخِلَافِهِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فِي الْوُجُوبِ وَالنِّفَاسُ فِي مَعْنَى الْحَيْضِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هَذَا مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا: وَهُوَ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي، أَفَأَنْقُضُهُ لِلْحَيْضِ قَالَ لَا، إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهِيَ زِيَادَةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا وَهَذَا صَرِيحٌ فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute