ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ ضَعِيفٌ جِدًّا فِيمَا يَظْهَرُ وَ (لَا) يَلْزَمُ بَذْلُ الْمَاءِ (لِطَهَارَةِ غَيْرِهِ بِحَالٍ) سَوَاءٌ كَانَ يَجِدُ غَيْرَهُ أَوْ لَا، طَلَبَهُ بِثَمَنِهِ أَوْ لَا، كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ لَا يَلْزَمُ بَذْلُهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا.
وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: الْمُحْتَرَمِ: الزَّانِي الْمُحْصَنُ وَالْمُرْتَدُّ وَالْحَرْبِيُّ فَلَا يَلْزَمُ بَذْلُهُ لَهُ إذَا عَطِشَ وَإِنْ خَافَ تَلَفَهُ (أَوْ) عَطَشٍ يَخَافُهُ (عَلَى بَهِيمَتِهِ أَوْ بَهِيمَةِ غَيْرِهِ الْمُحْتَرَمَيْنِ) ؛ لِأَنَّ لِلرُّوحِ حُرْمَةً، وَسَقْيَهَا وَاجِبٌ وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ كَلْبُ الصَّيْدِ وَخَرَجَ عَنْهُ الْعَقُورُ وَالْخِنْزِيرُ وَنَحْوُهُ؛ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ.
(قَالَ) أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (بْنُ الْجَوْزِيِّ: إنْ احْتَاجَ الْمَاءَ لِلْعَجْنِ وَالطَّبْخِ وَنَحْوِهِمَا تَيَمَّمَ وَتَرَكَهُ) أَيْ: الْمَاءَ لِذَلِكَ، اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى، وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ.
(وَإِذَا وَجَدَ الْخَائِفُ مِنْ الْعَطَشِ مَاءً طَاهِرًا أَوْ مَاءً نَجِسًا) وَكَانَ (يَكْفِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا لِشُرْبِهِ حَبَسَ الطَّاهِرَ) لِشُرْبِهِ (وَأَرَاقَ النَّجِسَ إنْ اسْتَغْنَى عَنْ شُرْبِهِ) سَوَاءٌ كَانَ فِي الْوَقْتِ أَوْ قَبْلَهُ، لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ (فَإِنْ خَافَ حَبَسَهُمَا) لِلْحَاجَةِ وَكَمَا لَوْ انْفَرَدَ النَّجِسُ.
(وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْمَاءِ) وَبَقِيَ مَاؤُهُ (يَمَّمَهُ رَفِيقَهُ الْعَطْشَانَ) كَمَا يَتَيَمَّمُ لَوْ كَانَ حَيًّا لِذَلِكَ (وَيَغْرَمُ) الْعَطْشَانُ (ثَمَنَهُ) أَيْ: قِيمَةَ الْمَاءَ (فِي مَكَانِهِ) أَيْ: مَكَانِ إتْلَافِهِ (وَقْتَ إتْلَافِهِ لِوَرَثَتِهِ) لِانْتِقَالِهِ إلَيْهِمْ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، وَإِنَّمَا غَرِمَهُ بِثَمَنِهِ بِقِيمَتِهِ مَعَ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْوَرَثَةِ، إذْ الْمَاءُ لَا قِيمَةَ لَهُ فِي الْحَضَرِ غَالِبًا، وَلَوْ كَانَتْ فَشَيْءٌ تَافِهٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فِي السَّفَرِ وَظَاهِرُ النِّهَايَةِ: إنْ غَرِمَهُ فِي مَكَانِهِ أَيْ: التَّلَفِ فَبِمِثْلِهِ (وَمَنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَجْمَعَ الْمَاءَ) الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ (وَيَشْرَبَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ) أَيْ: تَعَافُ شُرْبَهُ.
(وَمَنْ خَافَ فَوْتَ رُفْقَتِهِ) بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ (سَاغَ لَهُ التَّيَمُّمُ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا بِفَوْتِ الرُّفْقَةِ؛ لِفَوْتِ الْإِلْفِ وَالْأُنْسِ.
(وَكَذَا لَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فِي طَلَبِهِ) أَيْ: الْمَاءِ (خَوْفًا مُحَقَّقًا، لَا جُبْنًا) وَهُوَ الْخَوْفُ لِغَيْرِ سَبَبٍ، وَالْخَوْفُ الْمُحَقَّقُ (كَأَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ سَبُعٌ) أَيْ: حَيَوَانٌ مُفْتَرِسٌ (أَوْ حَرِيقٌ أَوْ لِصٌّ وَنَحْوُهُ) سَاغَ لَهُ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا (أَوْ خَافَ) بِطَلَبِ الْمَاءِ (غَرِيمًا يُلَازِمُهُ وَيَعْجَزُ عَنْ أَدَائِهِ) فَلَهُ التَّيَمُّمُ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى وَفَائِهِ حَالَ دَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ؛ لِإِثْمِهِ بِالتَّأْخِيرِ إذَنْ.
(أَوْ خَافَتْ امْرَأَةٌ) بِطَلَبِ الْمَاءِ (فُسَّاقًا) يَفْجُرُونَ بِهَا، فَتَتَيَمَّمُ، (بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ فِي طَلَبِهِ) إذَنْ؛؛ لِأَنَّهَا تُعَرِّضُ نَفْسَهَا لِلْفَسَادِ، وَمِثْلُهَا الْأَمْرَدُ.
(وَلَوْ كَانَ خَوْفُهُ بِسَبَبِ ظَنِّهِ فَتَبَيَّنَ عَدَمُ السَّبَبِ، مِثْلَ مَنْ رَأَى سَوَادًا بِاللَّيْلِ ظَنَّهُ عَدُوًّا،