كَدُخْنٍ وَذُرَةٍ وَإِذَا أَعَارَهُ لِلرُّكُوبِ لَمْ يُحْمَلْ وَعَكْسُهُ (وَغَيْرُ ذَلِكَ) أَيْ حُكْمُ الْمُسْتَعِيرِ حُكْمُ الْمُسْتَأْجِرِ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ (إلَّا أَنَّهُمَا) أَيْ الْمُسْتَعِيرَ وَالْمُسْتَأْجِرَ (يَخْتَلِفَانِ فِي شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ (لَا يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ وَلَا الْإِجَارَةَ عَلَى مَا يَأْتِي) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ بَلْ الِانْتِفَاعَ.
(وَالثَّانِي: الْإِعَارَةُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا تَعْيِينُ نَوْعِ الِانْتِفَاعِ) لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ فَلَا أَثَرَ لِلْجَهَالَةِ فِيهِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ قَطْعِهَا بِالْفَسْخِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ (فَلَوْ أَعَارَهُ مُطْلَقًا) أَيْ أَعَارَهُ عَيْنًا وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَةَ الِانْتِفَاعِ بِهَا (مَلَكَ) الْمُسْتَعِيرُ (الِانْتِفَاعَ بِالْمَعْرُوفِ فِي كُلِّ مَا هُوَ) أَيْ الْمُعَارُ (مُهَيَّأٌ) أَيْ صَالِحٌ (لَهُ كَالْأَرْضِ مَثَلًا تَصْلُحُ لِلْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَالزِّرَاعَةِ وَالِارْتِبَاطِ) فَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِي أَيْ ذَلِكَ أَرَادَ.
(وَمَا كَانَ غَيْرَ مُهَيَّأٍ لَهُ، وَإِنَّمَا يَصْلُحُ لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْبِسَاطِ إنَّمَا يَصْلُحُ لِلْفُرُشِ فَالْإِطْلَاقُ فِيهِ كَالتَّقْيِيدِ لِلتَّعْيِينِ) أَيْ لِتَعَيُّنِ نَوْعِ الِانْتِفَاعِ (بِالْعُرْفِ) فَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ (فَلَهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ (اسْتِنْسَاخُ الْكِتَابِ الْمُعَارِ وَ) لَهُ (دَفْعُ الْخَاتَمِ الْمُعَارِ إلَى مَنْ يَنْقُشُ لَهُ عَلَى مِثَالِهِ) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ وَاقِعَةٌ لَهُ، فَهُوَ كَالْوَكِيلِ.
(وَإِذَا أَعَارَهُ) أَرْضًا (لِلْغَرْسِ أَوْ لِلْبِنَاءِ أَوْ لِلزِّرَاعَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ (مَا زَادَ عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ) بِلَا إذْنِ الْمُعِيرِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْإِذْنِ لِلزَّائِدِ (فَإِنْ زَرَعَ) الْمُسْتَعِيرُ (أَوْ غَرَسَ) أَوْ بَنَى (مَا لَيْسَ لَهُ) زَرْعُهُ أَوْ (غَرْسُهُ) أَوْ بِنَاؤُهُ (فَكَغَاصِبٍ) لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ.
(وَاسْتِعَارَةُ الدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ لَا تُفِيدُ السَّفَرَ بِهَا) فَإِنَّهُ لَيْسَ مَأْذُونًا فِيهِ نُطْقًا وَلَا عُرْفًا.
(وَالْعَارِيَّةُ الْمَقْبُوضَةُ مَضْمُونَةٌ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَعَنْ صَفْوَانَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ مِنْهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَدْرَاعًا فَقَالَ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَأَشَارَ أَحْمَدُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ بِأَنَّ الْعَارِيَّةَ أَخَذَتْهَا الْيَدُ الْوَدِيعَةُ دُفِعَتْ إلَيْكَ وَلِأَنَّهُ أَخَذَ مِلْكَ غَيْرِهِ لِنَفْعِ نَفْسِهِ مُنْفَرِدًا بِنَفْعِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ وَلَا إذْنَ فِي إتْلَافٍ فَكَانَ مَضْمُونًا كَالْغَصْبِ وَقَاسَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ عَلَى الْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ، فَيَضْمَنُهَا الْمُسْتَعِيرُ (بِقِيمَتِهَا يَوْمَ التَّلَفِ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ فَوَاتُ الْعَارِيَّةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الضَّمَانِ بِهِ إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِيَوْمِ التَّلَفِ: وَقْتُهُ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا (بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَعَدَّى فِيهَا أَوْ يُفَرِّطَ فِيهَا أَوْ لَا (وَإِنْ شَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِهَا) أَيْ لَمْ يَسْقُطْ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ اقْتَضَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute