إتْلَافِهِ لَا يُضْمَنُ كَالْمَنَافِعِ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: فَعَلَى هَذَا لَوْ تَلِفَتْ بِالِانْتِفَاعِ بِالْمَعْرُوفِ فَلَا ضَمَانَ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ بِمَعْرُوفٍ أَنَّهُ لَوْ حَمَلَ فِي الثَّوْبِ تُرَابًا فَتَلِفَ ضَمِنَهُ لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ (أَوْ) تَلِفَتْ الْعَارِيَّةُ أَوْ جُزْؤُهَا (بِمُرُورِ الزَّمَانِ فَلَا ضَمَانَ) لِأَنَّهُ تَلَفٌ بِالْإِمْسَاكِ الْمَأْذُونِ فِيهِ أَشْبَهَ تَلَفَهُ بِالْفِعْلِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَلَوْ جُرِحَ ظَهَرُ الدَّابَّةِ بِالْحِمْلِ وَجَبَ الضَّمَانُ سَوَاءٌ كَانَ الْحِمْلُ مُعْتَادًا أَوْ لَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَالِاحْتِرَازُ مِنْهُ مُمْكِنٌ عِنْدَ الْحَمْلِ بِخِلَافِ حَمْلِ الْمِنْشَفَةِ ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ (وَكَذَا لَوْ تَلِفَ وَلَدُهَا) أَيْ الْعَارِيَّةِ الَّذِي سُلِّمَ مَعَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُل فِي الْإِعَارَةِ وَلَا فَائِدَةَ لِلْمُسْتَعِيرِ فِيهِ أَشْبَهَ الْوَدِيعَةَ.
فَإِنْ قِيلَ: تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَمْلَ وَقْتَ عَقْدِ مَبِيعٍ فَعَلَيْهِ هُنَا يَكُونُ مُعَارًا قُلْت: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْعَيْنِ بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ فَإِنَّهُ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَلَا مَنْفَعَةَ لِلْحَمْلِ يَرِدُ عَلَيْهَا الْعَقْدُ (أَوْ) تَلِفَتْ (الزِّيَادَةُ) الَّتِي حَصَلَتْ فِي الْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ لَمْ يَضْمَنْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهَا عَقْدُ الْعَارِيَّةِ وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّ الزِّيَادَةَ لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ سَمِينَةً، فَهَزَلَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ أَنَّهُ يَضْمَنُ نَقْصَهَا قُلْتُ: إنْ لَمْ تَذْهَبْ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ بِمُرُورِ الزَّمَانِ.
(وَلَيْسَ لِمُسْتَعِيرٍ أَنْ يُعِيرَ) الْمُعَارَ (وَلَا) أَنْ (يُؤَجِّرَ) هـ (إلَّا بِإِذْنِ) رَبِّهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنَافِعَهُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُبِيحَهَا وَلَا أَنْ يَبِيعَهَا بِخِلَافِ مُسْتَأْجِرٍ وَتَقَدَّمَ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَا يُودِعْهُ.
(وَلَا يَضْمَنُ مُسْتَأْجِرٌ مِنْهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ (مَعَ الْإِذْنِ) مِنْ الْمُعِيرِ إذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ عِنْدَهُ بِلَا تَفْرِيطٍ، كَالْمُسْتَأْجِرِ مِنْ رَبِّهَا (وَتَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ وَ) إذَا أَجَرَ الْمُسْتَعِيرُ بِإِذْنِ الْمُعِيرِ الْعَارِيَّةَ (فَالْأُجْرَةُ لِرَبِّهَا) لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَمَّا يَمْلِكُهُ مِنْ الْمَنَافِعِ (لَا لَهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الْمَنَافِعِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ (فَإِنْ أَعَارَ) الْمُسْتَعِيرُ (بِلَا إذْنِ) الْمُعِيرِ (فَتَلِفَتْ) الْعَارِيَّةُ (عِنْدَ) الْمُسْتَعِيرِ (الثَّانِي ضَمِنَ) رَبُّ الْعَيْنِ (الْقِيمَةَ وَالْمَنْفَعَةَ أَيُّهُمَا شَاءَ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ سَلَّطَ غَيْرَهُ عَلَى أَخْذِ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّطَ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ دَابَّةً فَأَكَلَتْهُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ فَاتَا عَلَى مَالِكِهِمَا فِي يَدِهِ (وَالْقَرَارُ) فِي ضَمَانِهِمَا عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ الْمُسْتَوْفِي لِلْمَنْفَعَةِ بِدُونِ إذْنِ الْمَالِكِ.
وَتَلَفُ الْعَيْنِ إنَّمَا حَصَلَ تَحْتَ يَدِهِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ (إنْ كَانَ) الثَّانِي (عَالِمًا بِالْحَالِ) أَيْ بِأَنَّ الْعَيْنَ لَهَا مَالِكٌ لَمْ يَأْذَنْ فِي إعَارَتِهَا وَكَذَا لَوْ أَجَرَهَا بِلَا إذْنِهِ (وَإِلَّا) يَكُنْ الثَّانِي عَالِمًا بِالْحَالِ (اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْعَيْنِ) لِأَنَّهُ قَبَضَهَا عَلَى أَنَّهَا عَارِيَّةٌ وَالْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ (وَيَسْتَقِرُّ ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى) الْمُسْتَعِيرِ (الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ غَرَّ الثَّانِيَ بِدَفْعِهَا لَهُ عَلَى أَنْ يَسْتَوْفِي بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَعَكْسُ ذَلِكَ لَوْ أَجَرَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute