إذْ لَا يُعْدَلُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ تَلَفِ الْمُبْدَلُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُوَضِّحِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَلْزَمُ دَفْعُ عَيْنِهِ.
(وَكَذَا لَوْ لَقِيَ كَنَّاسٌ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ) كَالْمُقْلِشِ (قِطَعًا صِغَارًا مُفَرَّقَةً) مِنْ الْفِضَّةِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا بِأَخْذِهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهَا، وَلَا بَدَلُهَا إنْ وَجَدَ رَبَّهَا (وَلَوْ كَثُرَتْ) بِضَمِّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضِ؛ لِأَنَّ تَفَرُّقهَا يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ أَرْبَابِهَا.
(وَمَنْ تَرَكَ دَابَّةً بِمَهْلَكَةٍ أَوْ فَلَاةٍ تَرْكَ إيَاسٍ لِانْقِطَاعِهَا) أَيْ: عَجْزِهَا عَنْ الْمَشْي (أَوْ) تَرْكَهَا لِ (عَجْزِهِ عَنْ عَلَفِهَا، مَلَكَهَا آخِذُهَا) لِحَدِيثِ الشَّعْبِيِّ، وَتَقَدَّمَ بِخِلَافِ عَبْدٍ، وَمَتَاعٍ (إلَّا أَنْ يَكُونَ تَرَكَهَا لِيَرْجِعَ إلَيْهَا، أَوْ ضَلَّتْ مِنْهُ) فَلَا يَمْلِكَهَا آخِذُهَا (، وَتَقَدَّمَ آخِرَ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) مُوَضَّحًا.
(وَكَذَا مَا أُلْقِيَ خَوْفُ الْغَرَقِ) فِي الْبَحْرِ فَيَمْلِكُهُ آخِذُهُ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ أَلْقَاهُ بِاخْتِيَارِهِ فَأَشْبَهَ الْمَنْبُوذَ رَغْبَةً عَنْهُ كَمَا فِي التَّنْقِيحِ، وَالْمُنْتَهَى، وَغَيْرِهِمَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَاد التَّشْبِيهُ فِي تَقَدُّمِ حُكْمِهِ أَوْ أَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِالْمُسْتَثْنَى فَلَا مُخَالَفَةَ، وَتَقَدَّمَ تَوْضِيحُ ذَلِكَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَبَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ.
الْقِسْمُ (الثَّانِي: الضَّوَالُّ الَّتِي تَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ مِثْلَ ثَعْلَبٍ، وَذِئْبٍ، وَابْنِ آوَى، وَوَلَدِ الْأَسَدِ) ، وَالضَّوَالُّ جَمْعُ ضَالَّةٍ، وَهِيَ اسْمُ حَيَوَانٍ خَاصَّةً، وَيُقَالُ لَهَا الْهَوَامِي، وَالْهَوَافِي، وَالْحَوَامِلُ، وَامْتِنَاعُهَا إمَّا لِكِبَرِ جُثَثِهَا (كَإِبِلٍ، وَخَيْلٍ، وَبَقَرٍ، وَبِغَالٍ وَ) إمَّا لِطَيَرَانِهَا كَ (طُيُورٍ تَمْتَنِعُ بِطَيَرَانِهَا وَ) إمَّا بِسُرْعَةِ عَدْوِهَا (كَظِبَاءٍ، وَ) إمَّا بِنَابِهَا (كَفُهُودٍ مُعَلَّمَةٍ) أَوْ قَابِلَةٍ لِلتَّعْلِيمِ، وَإِلَّا فَلَيْسَتْ مَالًا، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ (وَكَ) إبِلٍ (حُمُرٍ) أَهْلِيَّةٍ.
(وَخَالَفَ الْمُوَفَّقُ فِيهَا) فَقَالَ: الْأَوْلَى إلْحَاقُهَا بِالشَّاةِ لِمُسَاوَاتِهَا لَهَا فِي الْعِلَّةِ (فَهَذَا الْقِسْمُ غَيْرُ الْآبِقِ يَحْرُمُ الْتِقَاطُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا سُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ مَا لَكَ، وَلَهَا دَعْهَا فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا، وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءِ، وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا» ، وَحِذَاؤُهَا خُفُّهَا؛ لِأَنَّهُ لِقُوَّتِهِ، وَصَلَابَتِهِ يَجْرِي مُجْرَى الْحِذَاءِ، وَسِقَاؤُهَا بَطْنُهَا؛ لِأَنَّهَا تَأْخُذُ فِيهِ مَاءً كَثِيرًا، فَيَبْقَى مَعَهَا يَمْنَعُهَا الْعَطَشَ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُؤْوِي الضَّالَّةَ إلَّا ضَالٌّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا الْآبِقُ فَيَجُوزُ الْتِقَاطُهُ صَوْنًا لَهُ عَنْ اللُّحُوقِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَارْتِدَادِهِ، وَسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ، وَتَقَدَّمَ (وَ) هَذَا الْقِسْمُ (لَا يَمْلِكُهُ) مُلْتَقِطُهُ (بِتَعْرِيفِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِأَخْذِهِ كَالْغَاصِبِ لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ، وَالشَّارِعِ سَوَاءٌ كَانَ زَمَنَ أَمْنٍ أَوْ فَسَادٍ.
(وَإِنْ أَنْفَقَ) الْمُلْتَقِطُ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْقِسْمِ (لَمْ يَرْجِعْ) عَلَى رَبِّهِ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ (لِتَعَدِّيهِ بِالْتِقَاطِهِ) ، وَإِمْسَاكِهِ.
(فَإِنْ تَبِعَ شَيْءٌ مِنْهَا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute