صَحَّ بِهَا الْوَقْفُ لِعَدَمِ احْتِمَالِ غَيْرِهِ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ الْمُنْضَمِّ إلَيْهِ عُرْفُ الشَّرْعِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعُمَرَ «إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَسَبَّلْتَ ثَمَرَتَهَا» فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فِي الْوَقْفِ كَلَفْظِ التَّطْلِيقِ فِي الطَّلَاقِ وَإِضَافَةُ التَّحْبِيسِ إلَى الْأَصْلِ، وَالتَّسْبِيلُ إلَى الثَّمَرَةِ لَا يَقْتَضِي الْمُغَايِرَةَ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ الثَّمَرَةَ مُحْبَسَةٌ أَيْضًا عَلَى مَا شُرِطَ صَرْفُهَا إلَيْهِ.
(وَكِنَايَتُهُ: تَصَدَّقْتُ، وَحَرَّمْتُ، وَأَبَّدْتُ) لِعَدَمِ خُلُوصِ كُلِّ لَفْظٍ مِنْهَا عَنْ الِاشْتِرَاكِ فَإِنَّ الصَّدَقَةَ تُسْتَعْمَلُ فِي الزَّكَاةِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالتَّحْرِيمُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ، وَالتَّأْبِيدُ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مَا يُرَادُ تَأْبِيدُهُ مِنْ وَقْفٍ وَغَيْرِهِ (وَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ (بِالْكِنَايَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ) الْمَالِكُ.
فَمَتَى أَتَى بِإِحْدَى هَذِهِ الْكِنَايَاتِ وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ نَوَى بِهَا الْوَقْفَ لَزِمَهُ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهَا بِالنِّيَّةِ صَارَتْ ظَاهِرَةً فِيهِ، وَإِنْ قَالَ مَا أَرَدْتُ بِهَا الْوَقْفَ قُبِلَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي ضَمِيرِهِ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي الضَّمَائِرِ (أَوْ يُقْرِنُ بِهِ) أَيْ بِلَفْظَةِ الْكِنَايَةِ (أَحَدَ الْأَلْفَاظِ الْخَمْسَةِ) وَهِيَ الْكِنَايَتَانِ وَالصَّرَائِحُ الثَّلَاثُ (فَيَقُولُ تَصَدَّقْت) بِكَذَا (صَدَقَةً مَوْقُوفَةً، أَوْ) تَصَدَّقْتُ بِهِ صَدَقَةً (مُحْبَسَةً، أَوْ) صَدَقَةً (مُسَبَّلَةً، أَوْ) صَدَقَةً (مُؤَبَّدَةً) ، أَوْ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً، (أَوْ يَقُولُ: هَذِهِ) الْعَيْنُ (مُحَرَّمَةٌ مَوْقُوفَةٌ، أَوْ) مُحَرَّمَةٌ (مُحْبَسَةٌ، أَوْ) مُحَرَّمَةٌ (مُسَبَّلَةٌ، أَوْ) مُحَرَّمَةٌ (مُؤَبَّدَةٌ، أَوْ يَصِفُهَا) أَيْ الْكِنَايَةَ (بِصِفَاتِ الْوَقْفِ، فَيَقُولُ) تَصَدَّقْتُ بِهِ صَدَقَةً (لَا تُبَاعُ) أ (وَلَا تُوهَبُ) أ (وَلَا تُوَرَّثُ أَوْ) يُقْرِنُ الْكِنَايَةَ بِحُكْمِ الْوَقْفِ كَأَنْ (يَقُولُ: تَصَدَّقْتُ بِأَرْضِي عَلَى فُلَانٍ وَالنَّظَرُ لِي أَيَّامِ حَيَاتِي أَوْ) وَالنَّظَرُ (لِفُلَانٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِفُلَانٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى وَلَدِهِ، أَوْ) .
تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ (عَلَى فُلَانٍ، أَوْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى قَبِيلَةِ كَذَا، أَوْ) تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى (طَائِفَةِ كَذَا) كَالْفُقَرَاءِ أَوْ الْغُزَاةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ وَنَحْوَهَا لَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا عَدَا الْوَقْفِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَتَى بِلَفْظِهِ الصَّرِيحِ.
(وَلَوْ قَالَ) رَبُّ دَارٍ (تَصَدَّقْت بِدَارِي عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ قَالَ) الْمُتَصَدِّقُ (بَعْدَ ذَلِكَ: أَرَدْت الْوَقْفَ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ فُلَانٌ) وَقَالَ إنَّمَا هِيَ صَدَقَةٌ، فَلِي التَّصَرُّفُ فِي رَقَبَتِهَا بِمَا أُرِيدُ (لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْمُتَصَدِّقِ فِي الْحُكْمِ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ فَيُعَايَى بِهَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَمَنْ قَالَ قَرْيَتِي الَّتِي بِالثَّغْرِ لِمَوَالِي الَّذِينَ بِهِ وَلِأَوْلَادِهِمْ صَحَّ وَقْفًا وَنَقَلَهُ يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ عَنْ أَحْمَدَ وَإِذَا قَالَ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ: جَعَلْنَا هَذَا الْمَكَانَ مَسْجِدًا أَوْ وَقْفًا صَارَ مَسْجِدًا أَوْ وَقْفًا بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُكْمِلُوا عِمَارَتَهُ وَإِذَا قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ جَعَلْتُ مِلْكِي لِلْمَسْجِدِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ صَارَ بِذَلِكَ وَقْفًا لِلْمَسْجِدِ انْتَهَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute