للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسِ الزُّهَّادُ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْرَضُوا عَنْ الْفَانِي لِلْبَاقِي.

(قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَيْسَ مِنْ الزُّهْدِ تَرْكُ مَا يُقِيمُ النَّفْسَ، وَيُصْلِحُ أَمْرَهَا، وَيُعِينُهَا عَلَى طَرِيقِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ زُهْدُ الْجُهَّالِ، وَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ: الزُّهْدُ (تَرْكُ فُضُولِ الْعَيْشِ وَ) هُوَ (مَا لَيْسَ بِضَرُورَةٍ فِي بَقَاءِ النَّفْسِ) أَيْ: نَفْسِهِ، وَنَفْسِ عِيَالِهِ (عَلَى هَذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَصْحَابُهُ) ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» (وَالْيَتِيمُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَلَا أَبَ لَهُ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ زِنًا (وَلَوْ جَهِلَ بَقَاءَ أَبِيهِ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ) .

، (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى أَهْلِ قَرْيَتِهِ أَوْ) عَلَى (إخْوَتِهِ إخْوَتِهِ وَنَحْوِهِمْ) كَأَعْمَامِهِ أَوْ جِيرَانِهِ (أَوْ وَصَّى لَهُمْ) بِشَيْءٍ (لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ) أَيْ: دِينَ الْوَاقِفِ أَوْ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْوَاقِفِ أَوْ الْمُوصِي أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ سَوَاءٌ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا (إلَّا بِقَرِينَةٍ) تَدُلُّ عَلَى دُخُولِهِمْ فَيَدْخُلُونَ (كَالصَّرِيحِ) أَيْ: كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِدُخُولِهِمْ، وَمِنْ الْقَرِينَةِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ.

(وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ كُفَّارًا) دَخَلُوا؛ لِأَنَّ عَدَمَ دُخُولِهِمْ يُؤَدِّي إلَى رَفْعِ اللَّفْظِ بِالْكُلِّيَّةِ (وَفِيهِمْ) أَيْ: أَوْ كَانَ فِيهِمْ (مُسْلِمٌ وَاحِدٌ وَالْبَاقِي كُفَّارٌ وَالْوَاقِفُ مُسْلِمٌ دَخَلُوا) ؛ لِأَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى وَاحِدٍ بَعِيدٌ جِدًّا (وَإِنْ كَانَ) الْوَاقِفُ كَافِرًا وَ (فِيهِمْ كَافِرٌ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْوَاقِفِ الْكَافِرِ لَمْ يَدْخُلْ) الْكَافِرُ الْمُغَايِرُ لِدِينِهِ كَمَا لَا يَرِثُهُ.

(وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ وَاسْتِيعَابُهُمْ) كَبَنِيهِ أَوْ بَنِي فُلَانٍ وَلَيْسُوا قَبِيلَتَهُ أَوْ مُوَالِيهِ أَوْ مَوَالِي غَيْرِهِ (وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ) بِالْوَقْفِ.

(وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ) فِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَأَمْكَنَ الْوَفَاءُ بِهِ فَوَجَبَ التَّعْمِيمُ بِمُقْتَضَاهُ (كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُمْ) بِمَالٍ (وَإِنْ أَمْكَنَ حَصْرُهُمْ فِي ابْتِدَائِهِ) أَيْ: الْوَقْفِ (ثُمَّ تَعَذَّرَ) بِكَثْرَةِ أَهْلِهِ (كَوَقْفِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَمَّمَ مَنْ أَمْكَنَ مِنْهُمْ) بِالْوَقْفِ.

(وَسَوَّى بَيْنَهُمْ) فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ وَالتَّسْوِيَةَ كَانَا وَاجِبَيْنِ فِي الْجَمِيعِ فَإِذَا تَعَذَّرَا فِي بَعْضٍ وَجَبَا فِيمَا لَمْ يَتَعَذَّرَا فِيهِ، كَالْوَاجِبِ الَّذِي تَعَذَّرَ بَعْضُهُ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حَصْرُهُمْ ابْتِدَاءً كَالْمَسَاكِينِ وَالْقَبِيلَةِ الْكَبِيرَةِ كَبَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي تَمِيمٍ جَازَ التَّفْضِيلُ) بَيْنَهُمْ.

(وَالِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ) ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَاقِفِ عَدَمُ مُجَاوَزَةِ الْجِنْسِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالدَّفْعِ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَإِذَا جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ فَالتَّفْضِيلُ أَوْلَى (وَكَالْوَقْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ أَوْ عَلَى) أَهْلِ (إقْلِيمٍ كَالشَّامِ وَعَلَى أَهْلِ مَدِينَةٍ كَدِمَشْقَ) فَيَجُوزُ التَّفْضِيلُ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ تَنَاوَلَ الْآخَرَ) فَهُمَا صِنْفَانِ حَيْثُ اجْتَمَعَا فَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>