لِوَلَدِهِ، وَلَوْ أَخَّرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ إلَّا الْأَبُ الْأَقْرَبُ لَكَانَ أَوْضَحَ.
وَقَوْلُهُ (بَعْدَ لُزُومِهَا) أَيْ: الْهِبَةِ بِأَنْوَاعِهَا، بِالْقَبْضِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ لِوَاهِبٍ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ وَأَمَّا الرُّجُوعُ قَبْلَ لُزُومِهَا فَجَائِزٌ مُطْلَقًا (كَالْقِيمَةِ) أَيْ: كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي قِيمَةِ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ وَلَوْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ (إلَّا الْأَبَ الْأَقْرَبَ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعَانِهِ قَالَ: «لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً وَيَرْجِعَ فِيهَا، إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ بَشِيرٍ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَشِيرٍ: " فَارْدُدْهُ " وَرُوِيَ " فَارْجِعْهُ " رَوَاهُ مَالِكٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَبٍ يَقْصِدُ بِرُجُوعِهِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ،.
وَلَوْ وَهَبَ كَافِرٌ لِوَلَدِهِ الْكَافِرِ شَيْئًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْوَلَدُ، فَلِأَبِيهِ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ.
(وَلَوْ أَسْقَطَ) الْأَبُ (حَقَّهُ مِنْ الرُّجُوعِ) فَلَهُ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لَهُ بِالشَّرْعِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِإِسْقَاطِهِ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَ الْوَلِيُّ حَقَّهُ مِنْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَقَالَ فِي الْمُنْتَهَى: يَسْقُطُ رُجُوعُهُ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ حَقِّهِ، وَقَدْ أَسْقَطَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وِلَايَةِ النِّكَاحِ أَنَّ وِلَايَةَ النِّكَاحِ حَقٌّ عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِلْمَرْأَةِ بِدَلِيلِ إثْمِهِ بِالْعَضْلِ بِخِلَافِ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ حَقٌّ لِلْأَبِ.
(وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ مَوْلُودًا) مَجْهُولَ النَّسَبِ، كُلٌّ يَقُولُ: هُوَ ابْنِي (فَوَهَبَاهُ أَوْ وَهَبَهُ أَحَدُهُمَا شَيْئًا فَلَا رُجُوعَ) لِانْتِفَاءِ ثُبُوتِ الدَّعْوَى (وَإِنْ ثَبَتَ اللِّحَاقُ بِأَحَدِهِمَا، ثَبَتَ) لَهُ (الرُّجُوعُ) لِثُبُوتِ الْأُبُوَّةِ.
(وَيُشْتَرَطُ لِرُجُوعِ الْأَبِ) أَيْ: لِجَوَازِهِ وَصِحَّتِهِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ (شُرُوطٌ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ) الْهِبَةُ (عَيْنًا بَاقِيَةً فِي مِلْكِ الِابْنِ) إلَى رُجُوعِ أَبِيهِ (فَلَا رُجُوعَ) لِلْأَبِ (فِي دَيْنِهِ عَلَى الْوَلَدِ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ) لَا تَمْلِيكٌ (وَلَا فِي مَنْفَعَةٍ أَبَاحَهَا لَهُ) أَبُوهُ (بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ كَسُكْنَى دَارٍ وَنَحْوِهَا) لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ، وَاسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِمَنْزِلَةِ إتْلَافِهَا.
(فَإِنْ خَرَجَتْ الْعَيْنُ) الْمَوْهُوبَةُ (عَنْ مِلْكِهِ) أَيْ: الِابْنِ (بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَقْفٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ غَيْرِهِ خُصُوصًا إذَا قُلْنَا يَنْتَقِلُ فِي الْحَالِ لِمَنْ بَعْدَهُ (أَوْ) خَرَجَتْ (بِغَيْرِ ذَلِكَ) بِأَنْ جَعَلَهَا صَدَاقًا لِامْرَأَةِ أَوْ عِوَضًا عَلَى صُلْحٍ وَنَحْوِهِ (ثُمَّ عَادَتْ) الْعَيْنُ (إلَيْهِ) أَيْ: الِابْنِ (بِسَبَبٍ جَدِيدٍ كَبَيْعٍ) وَلَوْ مَعَ خِيَارٍ (أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ نَحْوِهِ) كَأَنْ أَخَذَهَا عِوَضًا عَنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ، أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ (لَمْ يَمْلِكْ) الْأَبُ (الرُّجُوعَ) فِيهَا لِأَنَّهَا عَادَتْ إلَى الْوَلَدِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ لَمْ يَسْتَفِدْهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ إزَالَتَهُ، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مَوْهُوبَةً.
(وَإِنْ عَادَتْ) الْعَيْنُ لِلْوَلَدِ بَعْدَ بَيْعِهَا (بِفَسْخِ الْبَيْعِ بِعَيْبٍ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute