الْأَحْيَانِ) لِأَنَّهُ فِي إفَاقَتِهِ عَاقِلٌ (وَالضَّعِيفُ فِي عَقْلِهِ إنْ مَنَعَ) ضَعْفُهُ (ذَلِكَ رُشْدُهُ فِي مَالِهِ فَكَسَفِيهٍ) تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ فِي مَالِهِ لَا عَلَى وَلَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ رُشْدَهُ فَهُوَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ.
(وَإِنْ وُجِدَتْ وَصِيَّتُهُ بِخَطِّهِ الثَّابِتِ) أَنَّهُ خَطُّهُ (بِإِقْرَارِ وَرَثَتِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ تُعَرِّفُ خَطَّهُ صَحَّتْ) الْوَصِيَّةُ (وَعُمِلَ بِهَا) قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِالْخَطِّ الْمَعْرُوفِ وَكَذَا الْإِقْرَارُ إذَا وُجِدَ فِي دَفْتَرِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ انْتَهَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» وَلَمْ يَذْكُرْ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْكِتَابَةِ فَدَلَّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهَا.
وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ وَغَيْرِهِمْ " مُلْزِمًا لِلْعَمَلِ بِتِلْكَ الْكِتَابَةِ وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْمَقْصُودِ فَهِيَ كَاللَّفْظِ قَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ: ثُبُوتُ الْخَطِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْحَاكِمِ لِفِعْلِ الْكِتَابَةِ.
وَقَالَ الْحَارِثِيُّ وَقَوْلُ أَحْمَدَ إنْ كَانَ عُرِفَ خَطُّهُ وَكَانَ مَشْهُورَ الْخَطِّ يَنْفُذُ مَا فِيهَا يُخَالِفُ مَا قَالَ فَإِنَّهُ أَنَاطَ الْحُكْمَ بِالْمَعْرِفَةِ وَالشُّهْرَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ لِمُعَايَنَةِ الْفِعْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ إلَى أَنْ قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِنِسْبَةِ الْخَطِّ إلَيْهِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ بِحَيْثُ يَسْتَقِرُّ فِي النَّفْسِ اسْتِقْرَارًا لَا تَرَدُّدَ مَعَهُ، فَوَجَبَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ (مَا لَمْ يُعْلَمْ رُجُوعَهُ عَنْهَا) أَيْ: الْوَصِيَّةِ فَتَبْطُلُ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ كَمَا يَأْتِي فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ رُجُوعُهُ عَنْهَا عُمِلَ بِهَا (وَإِنْ تَطَاوَلَتْ مُدَّتُهُ وَتَغَيَّرَتْ أَحْوَالُ الْمُوصِي، مِثْلُ أَنْ يُوصِيَ فِي مَرَضٍ فَيَبْرَأُ مِنْهُ ثُمَّ يَمُوتُ بَعْدَ) ذَلِكَ (أَوْ يُقْتَلَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ) أَيْ: الْمُوصِي عَلَى وَصِيَّتِهِ (وَعَكْسُهَا) أَيْ: عَكْسُ الْمَسْأَلَةِ (خَتْمُهَا) أَيْ: الْوَصِيَّةِ (وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ خَطُّهُ) فَلَا يُعْمَلُ بِهِ.
(لَكِنْ لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ خَطُّهُ مِنْ خَارِجٍ عُمِلَ بِهِ) أَيْ: بِالْخَطِّ (لَا بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهَا) مَخْتُومَةً لِأَنَّهُ كِتَابٌ لَا يَعْلَمُ الشَّاهِدُ مَا فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ كَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي (وَعَكْسُ الْوَصِيَّةِ الْحُكْمُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ) لِلْقَاضِي الْحُكْمُ (بِرُؤْيَةِ خَطِّ الشَّاهِدِ) احْتِيَاطًا لِلْحُكْمِ.
(وَلَوْ رَأَى الْحَاكِمُ حُكْمَهُ بِخَطِّهِ تَحْتَ خَتْمِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ أَوْ رَأَى الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ بِخَطِّهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّهَادَةَ لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ إنْفَاذُ الْحُكْمِ بِمَا وَجَدَهُ) بِخَطِّهِ تَحْتَ حُكْمِهِ (وَلَا لِلشَّاهِدِ الشَّهَادَةُ بِمَا رَأَى خَطَّهُ بِهِ) عَلَى الصَّحِيحِ احْتِيَاطًا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَالْوَصِيَّةِ أَنَّهَا سُومِحَ فِيهَا بِصِحَّتِهَا مَعَ الْغَرَرِ وَالْخَطَرِ وَبِالْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ فَجَازَتْ الْمُسَامَحَةُ فِيهَا بِالْعَمَلِ بِالْخَطِّ كَالرِّوَايَةِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ وَالشَّهَادَةِ (وَيَأْتِي) ذَلِكَ (فِي بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، وَ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute