هَذِهِ الْوَصِيَّةُ الْمُحَرَّمَةُ (وَتَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ» وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ» رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَلَوْ خَلَا عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ فَمَعْنَاهُ: لَا وَصِيَّةَ نَافِذَةٌ أَوْ لَازِمَةٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُخَصِّصَانِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعُمُومِ، وَلِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ، إنَّمَا هُوَ الْوَرَثَةُ، فَإِذَا رَضَوْا بِإِسْقَاطِهِ سَقَطَ (إلَّا إذَا أَوْصَى بِوَقْفِ ثُلُثِهِ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ فَيَجُوزُ وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ) .
(وَإِنْ أَسْقَطَ) مَرِيضٌ (عَنْ وَارِثِهِ دَيْنًا) فَكَوَصِيَّةٍ (وَإِنْ أَوْصَى بِقَضَائِهِ) أَيْ: قَضَاءِ دَيْنٍ عَنْ وَارِثِهِ (أَوْ أَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ صَدَاقَهَا عَنْ زَوْجِهَا) فَكَوَصِيَّةٍ (أَوْ عَفَا عَنْ جِنَايَةٍ مُوجِبُهَا الْمَالُ) فِي مَرَضِهِ الْمَخُوفِ (فَكَالْوَصِيَّةِ) يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ، لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فِي الْمَرَضِ فَهُوَ كَالْعَطِيَّةِ فِيهِ.
(وَإِنْ أَوْصَى لِوَلَدِ وَارِثِهِ) بِالثُّلُثِ فَمَا دُونُ (صَحَّ) ذَلِكَ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ (فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ نَفْعَ الْوَارِثِ لَمْ يَجُزْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ) لِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ وَتَنْفُذُ حُكْمًا كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَتَصِحُّ وَصِيَّةٌ) مِنْ صَحِيحٍ وَمَرِيضٍ (لِكُلِّ وَارِثٍ بِمُعَيَّنٍ) مِنْ الْمَالِ (بِقَدْرِ إرْثِهِ، وَلَوْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ، كَرَجُلٍ خَلَّفَ ابْنًا وَبِنْتًا وَ) خَلَّفَ (عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَأَمَةً قِيمَتُهَا خَمْسُونَ فَوَصَّى لَهُ بِهِ) أَيْ: لِلِابْنِ بِالْعَبْدِ (وَ) وَصَّى (لَهَا بِهَا) أَيْ: لِلْبِنْتِ بِالْأَمَةِ فَيَصِحُّ لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ فِي الْقَدْرِ لَا فِي الْعَيْنِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ عَاوَضَ الْمَرِيضُ بَعْضَ وَرَثَتِهِ أَوْ أَجْنَبِيًّا جَمِيعَ مَالِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ وَلَوْ تَضَمَّنَ فَوَاتَ عَيْنِ جَمِيعِ الْمَالِ (وَكَذَا وَقْفُهُ) أَيْ: الْمَرِيضِ الثُّلُثَ فَأَقَلَّ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ، وَكَذَا وَصِيَّتُهُ بِوَقْفِ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ، فَإِنْ وَقَفَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ صَحَّ (لَكِنْ بِالْإِجَازَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ.
(وَاحِدًا) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَدَّهُ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِهِ فَأَحْرَى إذَا كَانَ عَلَى نَفْسِهِ (وَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْوَصَايَا وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ تَحَاصُّوا فِيهِ) أَيْ: الثُّلُثِ.
فَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ (وَلَوْ) كَانَتْ وَصِيَّةُ بَعْضِهِمْ (عِتْقًا كَمَسَائِلِ الْعَوْلِ) لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي الْأَصْلِ، وَتَفَاوَتُوا فِي الْمِقْدَارِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ (وَالْعَطَايَا الْمُعَلَّقَةُ بِالْمَوْتِ كَقَوْلِهِ: إذَا مِتَّ فَأَعْطُوا فُلَانًا كَذَا، أَوْ) إذَا مِتَّ فَ (اعْتِقُوا فُلَانًا وَنَحْوَهُ وَصَايَا كُلُّهَا) لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَهَذَا مَعْنَى الْوَصِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ كَانَتْ) الْوَصَايَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute