السَّبَبِ، ثُمَّ مَا تَصَرَّفَ بَعْدَ الْبُطْلَانِ مَرْدُودٌ، لِصُدُورِهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ لَكِنْ رَدَّ الْوَدَائِعَ، وَالْغُصُوبَ، وَالْعَوَارِيَّ، وَقَضَاءَ الدُّيُونِ الَّتِي جِنْسُهَا فِي التَّرِكَةِ تَقَعُ مَوْقِعَهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ: وُصُولُهَا إلَى أَهْلِهَا، وَهُوَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ وَإِذَا أُعِيدَ وَكَانَ أَتْلَفَ مَالًا فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ بَرَاءَتُهُ بِالْقَبْضِ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ لِلْأَبِ وَقَدْ نَصَّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، إلَّا فِي النِّكَاحِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ (وَأَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ) أَيْ: الْفَاسِقِ (أَمِينًا) لِيَتَصَرَّفَ.
(وَيَصِحَّ قَبُولُ) الْوَصِيِّ (الْإِيصَاءَ إلَيْهِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي) لِأَنَّهُ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ، فَصَحَّ قَبُولُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَالْوَكَالَةِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ، فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي وَقْتٍ فَلَمْ يَصِحَّ الْقَبُولُ قَبْلَهُ.
(وَ) يَصِحَّ الْقَبُولُ أَيْضًا (بَعْدَ مَوْتِهِ) لِأَنَّهَا نَوْعُ وَصِيَّةٍ، فَيَصِحُّ قَبُولُهَا إذَنْ كَوَصِيَّةِ الْمَالِ (فَمَتَى قُبِلَ صَارَ وَصِيًّا) قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَقُومُ فِعْلُ التَّصَرُّفِ مَقَامَ اللَّفْظِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: هُوَ الْأَظْهَرُ (وَلَهُ) أَيْ: الْوَصِيِّ (عَزْلُ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَ) فِي (حُضُورِهِ وَغِيبَتِهِ) لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالْإِذْنِ، كَالْوَكِيلِ.
وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَحَنْبَلٌ: لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ إنْ وَجَدَ حَاكِمًا كَمَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ لِأَنَّ الْعَزْلَ تَضْيِيعٌ لِلْأَمَانَةِ وَإِبْطَالٌ لِحَقِّ الْمُسْلِمِ، وَكَذَا إنْ تَعَذَّرَ تَنْفِيذُ الْحَاكِمِ لِلْمُوصَى بِهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْحَاكِمَ يُسْنِدُ إلَى مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ، أَوْ أَنَّ الْحَاكِمَ ظَالِمٌ ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ.
(وَلِلْمُوصِي عَزْلُهُ مَتَى شَاءَ) كَالْمُوَكِّلِ (وَلَيْسَ لِلْمُوصِي) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (أَنْ يُوصِيَ) لِأَنَّهُ قَصَرَ تَوَلَّيْتَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّفْوِيضُ كَالْوَكِيلِ وَسَبَقَ فِي الْوَكَالَةِ: لَهُ أَنْ يُوَكَّلَ فِيمَا لَا يُبَاشِرُهُ مِثْلُهُ، أَوْ يَعْجِزُ عَنْهُ فَقَطْ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَمْرَاضُ الْمُعْتَادَةُ كَالرَّمَدِ وَالْحُمَّى تَلْحَقُ بِنَوْعِ مَا لَا يُبَاشِرُهُ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَالْفَالِجِ وَغَيْرِهِ يُلْتَحَقُ بِنَوْعِ مَا يُبَاشِرُهُ (إلَّا أَنْ يَجْعَلَ إلَيْهِ) الْمُوصِي (ذَلِكَ) أَيْ: أَنْ يُوصِيَ (نَحْوَ أَنْ يَقُولَ) الْمُوصِي لِلْوَصِيِّ (أَذِنْتُ لَك أَنْ تُوصِي إلَى مَنْ شِئْتَ، أَوْ) يَقُولَ (كُلُّ مَنْ أَوْصَيْتَ) أَنْتَ إلَيْهِ (فَقَدْ أَوْصَيْتُ أَنَا إلَيْهِ، أَوْ) يَقُولَ: كُلُّ مَنْ أَوْصَيْتَ أَنْتَ إلَيْهِ (فَهُوَ وَصِيِّي) فَلَهُ أَنْ يُوصِيَ لِأَنَّ الْمُوصِي رَضِيَ رَأْيَهُ، وَرَأْيَ مَنْ يَرَاهُ، وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَأْذُونٌ فِيهِ فَكَانَ كَغَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ.
(وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ) الْمُوصِي أَوْ الْحَاكِمُ (لِلْوَصِيِّ جَعْلًا) مَعْلُومًا كَالْوَكَالَةِ.
(وَمُقَاسَمَةُ الْوَصِيِّ لِلْمُوصَى لَهُ جَائِزَةٌ) أَيْ: نَافِذَةٌ (عَلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُمْ) فَفِعْلُهُ كَفِعْلِهِمْ (وَمُقَاسَمَتُهُ) أَيْ: الْوَصِيِّ (لِلْوَرَثَةِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ لَا تَجُوزُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute