للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَبْقَ مِنْ أَجَلِي إلَّا عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَأَعْلَمُ أَنِّي أَمُوتُ فِي آخِرِهَا يَوْمًا، وَلِي طَوْلُ النِّكَاحِ فِيهِنَّ لَتَزَوَّجْتُ مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ " وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ " تَزَوَّجْ فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ: لَيْسَتْ الْعُزُوبَةُ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ وَمَنْ دَعَاكَ إلَى غَيْرِ التَّزَوُّجِ فَقَدْ دَعَاكَ إلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ.

وَلَوْ تَزَوَّجَ بِشْرٌ كَانَ قَدْ تَمَّ أَمْرُهُ وَلِأَنَّ مَصَالِحَ النِّكَاحِ أَكْثَرُ مِنْ مَصَالِحِ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَحْصِينِ فَرْجِ نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَحِفْظِهَا وَالْقِيَامِ بِهَا وَإِيجَادِ النَّسْلِ وَتَكْثِيرِ الْأُمَّةِ وَتَحْقِيقِ مُبَاهَاة النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الرَّاجِحِ أَحَدُهَا عَلَى نَفْلِ الْعِبَادَةِ الْقِسْمُ الثَّانِي: ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَيُبَاحُ) النِّكَاحُ (لِمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ) كَالْعِنِّينِ وَالْمَرِيضِ وَالْكَبِيرِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي لَهَا يَجِبُ النِّكَاحُ أَوْ يُسْتَحَبُّ - وَهُوَ خَوْفُ الزِّنَا أَوْ وُجُودُ الشَّهْوَةِ - مَفْقُودَةٌ فِيهِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ الْوَلَدُ وَهُوَ فِيمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ الْخِطَابُ بِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ لِعَدَمِ مَنْعِ الشَّرْعِ مِنْهُ وَتَخَلِّيهِ إذَنْ لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ لِمَنْعِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا مِنْ التَّحْصِينِ بِغَيْرِهِ وَيَضُرُّهَا بِحَبْسِهَا عَلَى نَفْسِهِ وَيُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِوَاجِبَاتٍ وَحُقُوقٍ لَعَلَّهُ لَا يَقُومُ بِهَا، وَيَشْتَغِلُ عَنْ الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَخَافُ الزِّنَا) بِتَرْكِ النِّكَاحِ (مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ) سَوَاءٌ كَانَ خَوْفُهُ ذَلِكَ (عِلْمًا أَوْ ظَنًّا) لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعْفَافُ نَفْسِهِ وَصَرْفِهَا عَنْ الْحَرَامِ وَطَرِيقُهُ النِّكَاحُ (وَيُقَدَّمُ حِينَئِذٍ) وَجَبَ (عَلَى حَجٍّ وَاجِبٍ نَصًّا) لِخَشْيَةِ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْظُورِ بِتَأْخِيرِهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَإِنْ كَانَتْ الْعِبَادَاتُ فَرْضَ كِفَايَةٍ كَالْعِلْمِ وَالْجِهَادِ قُدِّمَتْ عَلَى النِّكَاحِ إذَا لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَمَا قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ ظَاهِرٌ إنْ قُلْنَا أَنَّ النِّكَاحَ سُنَّةٌ، فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا فَرْضَ كِفَايَةٍ كَمَا قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِير وَابْنُ الْمُثَنَّى فِي تَعْلِيقِهِمَا فَقَدْ تَعَارَضَ فَرْضَا كِفَايَةٍ فَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ النِّكَاحَ وَاجِبٌ قَدَّمَهُ لِأَنَّ فُرُوضَ الْأَعْيَانِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ (وَلَا يَكْتَفِي فِي) الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ (الْوُجُوبِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ يَكُونُ) التَّزْوِيجُ (فِي مَجْمُوعِ الْعُمْرِ) لِتَنْدَفِعَ خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْظُورِ (وَلَا يُكْتَفَى) فِي الِامْتِثَالِ (بِالْعَقْدِ فَقَطْ، بَلْ يَجِبُ الِاسْتِمْتَاعُ) لِأَنَّ خَشْيَةَ الْمَحْظُورِ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِهِ.

(وَيُجْزِئُ تَسَرٍّ عَنْهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] .

(وَمَنْ أَمَرَهُ بِهِ وَالِدَاهُ أَوْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>