لُغَةً الْمَنْعُ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْعَضْلِ الْحِسِّيِّ وَالشَّرْعِيِّ ثُمَّ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ حِين امْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِ أُخْتِهِ فَدَعَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَوَّجَهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَعْقِلٍ وِلَايَةٌ وَأَنَّ الْحُكْمَ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ لَمَا عُوتِبَ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْإِضَافَةُ إلَيْهِنَّ فَلِأَنَّهُنَّ مَحَلٌّ لَهُ (فَلَوْ زَوَّجَتْ) امْرَأَةٌ (نَفْسَهَا أَوْ) زَوَّجَتْ (غَيْرَهَا) كَأَمَتِهَا وَبِنْتِهَا وَأُخْتِهَا وَنَحْوِهَا (أَوْ وَكَّلَتْ) امْرَأَةٌ (غَيْرَ وَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا وَلَوْ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا فِيهِنَّ) أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ (لَمْ يَصِحَّ) النِّكَاحُ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ وَلِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْمُونَةٍ عَلَى الْبُضْعِ لِنَقْصِ عَقْلِهَا وَسُرْعَةِ انْخِدَاعِهَا فَلَمْ يَجُزْ تَفْوِيضُهُ إلَيْهَا كَالْمُبَذِّرِ فِي الْمَالِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ تُوَكِّلَ فِيهِ، وَلَا أَنْ تَتَوَكَّلَ فِيهِ.
وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ (فَإِنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ) لَمْ يُنْقَضْ (أَوْ كَانَ الْمُتَوَلِّي الْعَقْدَ حَاكِمًا) يَرَاهُ (لَمْ يُنْقَضْ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ) إذَا حَكَمَ بِهَا مَنْ يَرَاهَا لَمْ يُنْقَضْ لِأَنَّهُ يُسَوَّغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ فَلَمْ يَجُزْ نَقْضُ الْحُكْمِ بِهَا (كَمَا لَوْ حَكَمَ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ) وَنَحْوِهِ مِمَّا لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغٌ وَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةُ قَاطِعٍ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْقَضَاءِ وَهَذَا النَّصُّ مُتَأَوَّلٌ وَفِي صِحَّتِهِ كَلَامٌ وَقَدْ عَارَضَهُ ظَوَاهِرُ.
(وَيُزَوِّجُ أَمَتَهَا بِإِذْنِهَا) أَيْ الْمَالِكَةِ (بِشَرْطِ نُطْقِهَا) أَيْ الْمَالِكَةِ (بِهِ) أَيْ بِالْإِذْنِ (مَنْ يُزَوِّجهَا) أَيْ الْمَالِكَةَ مِنْ أَبٍ وَجَدٍّ وَأَخٍ وَعَمٍّ وَنَحْوِهِمْ لِأَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ كَوْنُ الْوِلَايَةِ لِلْمَالِكَةِ فَامْتَنَعَتْ فِي حَقِّهَا لِقُصُورِهَا فَتَثْبُتُ لِأَوْلِيَائِهَا كَوِلَايَةِ نَفْسِهَا وَلِأَنَّهُمْ يَلُونَهَا لَوْ عَتَقَتْ فَفِي حَالِ رِقِّهَا أَوْلَى.
(وَلَوْ) كَانَتْ الْمَالِكَةُ (بِكْرًا) فَلَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا بِالْإِذْنِ لِأَنَّ صُمَاتَهَا إنَّمَا اكْتَفَى بِهِ فِي تَزْوِيجِهَا نَفْسِهَا لِحَيَائِهَا وَلَا تَسْتَحْيِي فِي تَزْوِيجِ أَمَتِهَا (إنْ كَانَتْ) الْمَالِكَةُ (غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهَا) لِحَظِّ نَفْسِهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا لِصِغَرٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ جُنُونٍ (فَيُزَوِّجُ أَمَتَهَا وَلِيُّهَا فِي مَالِهَا) مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ قِيمَةٍ فَقَطْ (إنْ كَانَ الْحَظُّ فِي تَزْوِيجِهَا) لِأَنَّ التَّزْوِيجَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ وَالْأَمَةُ مَالٌ، وَلَا إذْنَ لِلْمَالِكَةِ إذَنْ.
(وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي أَمَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ) أَوْ الْمَجْنُونِ أَوْ السَّفِيهِ فَيُزَوِّجُهَا أَبُوهُ لِمَصْلَحَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ فَوَصِيُّهُ ثُمَّ الْحَاكِمُ ثُمَّ قَيِّمُهُ (وَيُجْبِرُهَا مَنْ يُجْبِرُ سَيِّدَتَهَا) إنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْأَمَةِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِ فَلَا مَفْهُوم لَهُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُزَوِّجُ الْأَمَةَ بِلَا إذْنِهَا وَلِيٌّ لِسَيِّدَتِهَا بِإِذْنِ سَيِّدَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ إنْ لَمْ تَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا وَإِلَّا زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا فِي مَالِهَا وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ يُجْبِرُ الْعَتِيقَةَ مَنْ يُجْبِرُ مَوْلَاتَهَا كَمَا فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ أَبَا الْمُعْتَقَةِ يُجْبِرُ عَتِيقَةَ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute