للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَذَانِ لَمْ يَأْتِ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلَا بِغَيْرِهَا، بَلْ يُجِيبُ) الْمُؤَذِّنَ (حَتَّى يَفْرَغَ) مِنْ أَذَانِهِ فَيُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ بِشَرْطِهِ، لِيَجْمَعَ بَيْنَ أَجْرِ الْإِجَابَةِ وَالتَّحِيَّةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: (وَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُ أَذَانِ الْخُطْبَةِ) أَيْ: الْأَذَانِ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (لِأَنَّ سَمَاعَهَا) أَيْ: الْخُطْبَةِ أَهَمُّ مِنْ الْإِجَابَةِ، فَيُصَلِّي التَّحِيَّةَ إذَا دَخَلَ.

(ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ فَرَاغهِ) مِنْ الْأَذَانِ وَإِجَابَتِهِ (ثُمَّ يَقُولُ) كُلٌّ مِنْ الْمُؤَذِّنِ وَسَامِعِهِ (اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته؛ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَلَمْ يَذْكُرْ وَالسَّلَامُ مَعَهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِدُونِهِ وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يُكْرَهُ.

" تَتِمَّةٌ " " اللَّهُمَّ " أَصْلُهُ يَا اللَّهُ وَالْمِيمُ بَدَلٌ مِنْ يَاءِ النِّدَاءِ قَالَهُ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَصْلُهُ يَا اللَّهُ أَمِّنَّا بِخَيْرٍ فَحُذِفَ حَرْفُ النِّدَاءِ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الضَّرُورَةِ " وَالدَّعْوَةِ " بِفَتْحِ الدَّالِ هِيَ دَعْوَةُ الْأَذَانِ سُمِّيَتْ تَامَّةً لِكَمَالِهَا وَعَظَمَةِ مَوْقِعِهَا وَسَلَامَتِهَا مِنْ نَقْصٍ يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَصَفَهَا بِالتَّمَامِ لِأَنَّهَا ذِكْرُ اللَّهِ، يُدْعَى بِهَا إلَى طَاعَتِهِ الَّتِي تَسْتَحِقُّ صِفَةَ الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ، وَمَا سِوَاهَا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مُعَرَّضٌ لِلنَّقْصِ وَالْفَسَادِ، وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَسْتَدِلُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ قَالَ لِأَنَّهُ مَا مِنْ مَخْلُوقٍ إلَّا وَفِيهِ نَقْصٌ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ الَّتِي سَتَقُومُ، وَتُفْعَلُ بِصِفَاتِهَا.

وَ " الْوَسِيلَةَ " مَنْزِلَةٌ عِنْدَ الْمَلِكِ وَهِيَ مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَ " الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ " الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِأَنَّهُ يَحْمَدُهُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ وَالْحِكْمَةُ فِي سُؤَالِ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ وَاجِبَ الْوُقُوعِ بِوَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى إظْهَارُ كَرَامَتهِ، وَعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ، وَقَدْ وَقَعَ مُنَكَّرًا فِي الصَّحِيحِ تَأَدُّبًا مَعَ الْقُرْآنِ؛ فَيَكُونُ قَوْلُهُ " الَّذِي وَعَدْته " مَنْصُوبًا عَلَى الْبَدَلِيَّةِ، أَوْ عَلَى إضْمَارِ فِعْلٍ أَوْ مَرْفُوعًا عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>