وَجَعَلَ شِبْهَ الْعَمْدِ مِنْ قِسْمِ الْعَمْدِ، وَحُكِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ الصَّوَابُ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «أَلَا إنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا نَصٌّ فِي ثُبُوتِ شِبْهِ الْعَمْدِ.
وَقَسَّمَهُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُقْنِعِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ فَزَادَ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَإِ؛ وَهُوَ أَنْ يَنْقَلِبَ النَّائِمُ عَلَى شَخْصٍ فَيَقْتُلَهُ، وَمَنْ يُقْتَلُ بِسَبَبٍ كَحَفْرِ بِئْرٍ مُحَرَّمٍ وَنَحْوِهِ وَهَذِهِ الصُّوَرُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِسْمِ الْخَطَإِ (وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْقَصْدُ) فَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ الْقَتْلُ فَلَا قِصَاصَ؛ لِحَدِيثِ: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (فَ) الْقَتْلُ (الْعَمْدُ أَنْ يَقْتُلَ قَصْدًا بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ) أَيْ الْمَقْتُولِ (بِهِ عَالِمًا بِكَوْنِهِ) أَيْ الْمَقْتُولِ (آدَمِيًّا مَعْصُومًا) فَلَا قِصَاصَ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْقَتْلِ بِمَا لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِهِ يَكُونُ اتِّفَاقًا لِسَبَبٍ أَوْجَبَ الْمَوْتَ غَيْرُهُ، وَإِلَّا لَمَا تَخَلَّفَ الْمَوْتُ عَنْهُ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالِ عَلَى الْأَكْثَرِ، وَكَذَا لَا قِصَاصَ إنْ لَمْ يَقْصِدْ أَوْ قَصَدَ غَيْرَ مَعْصُومٍ.
(وَهُوَ) أَيْ قَتْلُ الْعَمْدِ الْمُوجِبُ لِلْقِصَاصِ (تِسْعَةُ أَقْسَامٍ) لِلِاسْتِقْرَاءِ (أَحَدُهَا أَنْ يَجْرَحَهُ بِمُحَدِّدٍ لَهُ مَوْرٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ (أَيْ دُخُولٌ وَتَرَدُّدٌ فِي الْبَدَنِ بِقَطْعِ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ كَسِكِّينٍ وَسَيْفٍ وَسِنَانٍ وَقَدُومٍ أَوْ يَغْرِزَهُ بِمِسَلَّةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ) أَيْ حَجَّام الْمُحَدِّدِ الْمَذْكُورِ (مِمَّا يُحَدِّدُ وَيَجْرَحُ مِنْ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَزُجَاجٍ وَحَجَرٍ وَخَشَبٍ وَقَصَبٍ وَعَظْمٍ - جُرْحًا وَلَوْ صَغِيرًا كَشَرْطِ حَجَّامٍ فَمَاتَ) الْمَجْرُوحُ (وَلَوْ طَالَتْ عِلَّتُهُ مِنْهُ وَلَا عِلَّةَ بِهِ غَيْرُهُ) أَيْ الْجُرْحِ وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ كَالْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّ الْمُحَدِّدَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي حُصُولِ الْقَتْلِ.
بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَطَعَ شَحْمَةَ أُذُنِهِ أَوْ أُنْمُلَتَهُ فَمَاتَ، وَلِأَنَّ الْعَمْدَ لَا يَخْتَلِفُ مَعَ اتِّحَادِ الْآلَةِ وَالْفِعْلِ بِسُرْعَةِ الْإِفْضَاءِ وَإِبْطَائِهِ؛ وَلِأَنَّ فِي الْبَدَنِ مَقَاتِلَ خَفِيَّةً وَهَذَا لَهُ سِرَايَةٌ وَمَوْرٌ فَأَشْبَهَ الْجُرْحَ الْكَبِيرَ (وَلَوْ لَمْ يُدَاوِهِ) أَيْ الْجُرْحَ (قَادِرٌ عَلَيْهِ) أَيْ الدَّوَاءِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ وَلَا مُسْتَحَبٍّ، فَتَرْكُهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ (أَوْ يَغْرِزُهُ) الْجَانِي (بِإِبْرَةٍ أَوْ شَوْكَةٍ وَنَحْوِهَا) مِنْ كُلِّ مُحَدِّدٍ صَغِيرٍ (فِي مَقْتَلٍ كَالْعَيْنِ وَالْفُؤَادِ) وَهُوَ الْقَلْبُ (وَالْخَاصِرَةِ وَالصُّدْغِ وَأَصْلِ الْأُذُنِ وَالْخُصْيَتَيْنِ فَمَاتَ) فِي الْحَالِ (أَوْ) جَرَحَهُ (بِإِبْرَةٍ وَنَحْوِهَا) فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ (كَالْأَلْيَةِ وَالْفَخِذِ فَمَاتَ فِي الْحَالِ أَوْ) لَمْ يَمُتْ فِي الْحَالِ لَكِنْ (بَقِيَ ضَمِنًا) بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ مُتَأَلِّمًا (حَتَّى مَاتَ) فَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute