للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْآمِرِ) لِأَنَّ الْقَاتِلَ هُنَا كَالْآلَةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ (وَيُؤَدَّبُ الْمَأْمُورُ بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ) مِنْ حَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ (وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ وَنَحْوُهُ) كَالْكَبِيرِ الْعَاقِلِ الَّذِي يَجْهَلُ تَحْرِيمَهُ (قَدْ أَقَامَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ بَيْنَ أَهْلِهِ وَادَّعَى الْجَهْلَ بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ إذَنْ تَحْرِيمُ الْقَتْلِ وَلَا يُعْذَرُ فِيهِ إذَا كَانَ عَالِمًا (وَالْقِصَاصُ عَلَيْهِ) أَيْ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ لِمُبَاشِرَتِهِ الْقَتْلَ بِلَا عُذْرٍ (وَيُؤَدَّبُ السَّيِّدُ) الْآمِرُ لَهُ بِهِ (وَإِنْ أَمَرَهُ) أَيْ الْعَبْدَ سَيِّدُهُ (بِزِنَا أَوْ سَرِقَةٍ فَفَعَلَ، لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عَلَى الْآمِرِ) بَلْ عَلَى الْمُبَاشِرِ جَهِلَ الْمَأْمُورُ التَّحْرِيمَ أَوْ لَا لَكِنْ إذَا جَهِلَ تَحْرِيمَ الزِّنَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ (وَإِنْ أَمَرَهُ) بِالْقَتْلِ (مُكَلَّفًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَ) الْقِصَاصُ (عَلَى الْقَاتِلِ) كَمَا تَقَدَّمَ سَوَاءٌ كَانَ عَبْدَهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا (وَيُؤَدَّبُ الْآمِرُ) لِأَمْرِهِ بِالْمَعْصِيَةِ.

(وَلَوْ قَالَ مُكَلَّفٌ غَيْرُ قِنٍّ لِغَيْرِهِ: اُقْتُلْنِي أَوْ اجْرَحْنِي) فَفَعَلَ فَهَدَرٌ (أَوْ قَالَ) مُكَلَّفٌ (لِغَيْرِهِ) اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُكَ فَفَعَلَ (فَدَمُهُ) هَدَرٌ (وَجُرْحُهُ هَدَرٌ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِيهِ وَقَدْ أَذِنَهُ فِي إتْلَافِهِ كَمَا لَوْ أَذِنَهُ فِي إتْلَافِ مَالِهِ.

(وَلَوْ قَالَهُ) أَيْ اُقْتُلْنِي أَوْ اجْرَحْنِي أَوْ اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُكَ قِنٌّ فَفَعَلَ (ضَمِنَهُ الْقَاتِلُ لِسَيِّدِهِ بِمَالٍ) أَيْ بِقِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ الْجِرَاحَةِ لِأَنَّ إذْنَ الْقِنِّ فِي إتْلَافِ نَفْسِهِ لَا يَسْرِي عَلَى سَيِّدِهِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْقِصَاصِ وَلَوْ كَافَأَهُ الْقَاتِلُ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ لِلْقِنِّ وَقَدْ سَقَطَ بِإِذْنِهِ فِي قَتْلِهِ.

(وَإِنْ قَالَ لَهُ الْقَادِرُ عَلَيْهِ: اُقْتُلْ نَفْسَكَ وَإِلَّا قَتَلْتُكَ أَوْ) قَالَ لَهُ (اقْطَعْ يَدَكَ وَإِلَّا قَطَعْتُهَا فَإِكْرَاهٌ) فَيُقْتَلُ الْمُكْرِهُ أَوْ يُقْطَعُ إذَا قَتَلَ الْمُكْرَهُ نَفْسَهُ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ (وَمَنْ أَمَرَ قِنَّ غَيْرِهِ بِقَتْلِ قِنِّ نَفْسِهِ) فَفَعَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ (أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ) أَيْ أَكْرَهَ قِنَّ غَيْرِهِ عَلَى قَتْلِ قِنِّ نَفْسِهِ فَفَعَلَ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) عَلَى الْقَاتِلِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ كَمَا لَوْ أَذِنَ إنْسَانٌ لِلْآخَرِ فِي إتْلَافِ مَالِ الْآذِنِ فَأَتْلَفَهُ بِإِذْنِهِ (وَإِنْ أَمَرَ السُّلْطَانُ بِقَتْلِ إنْسَانٍ بِغَيْرِ حَقِّ مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ فِي فِعْلِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» وَلِأَنَّ غَيْرَ السُّلْطَانِ لَوْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ كَانَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُبَاشِرِ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ (وَيُعَزَّرُ الْآمِرُ) بِالْقَتْلِ ظُلْمًا لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً.

(وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) الْمَأْمُورُ أَنَّ الْقَتْلَ بِغَيْرِ حَقٍّ (فَ) الْقِصَاصُ (عَلَى الْآمِرِ) لِأَنَّ الْمَأْمُورَ مَعْذُورٌ لِوُجُوبِ طَاعَةِ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِالْحَقِّ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ هَذَا بِنَاءٌ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ السُّلْطَانِ فِي الْقَتْلِ الْمَجْهُولِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَا يُطَاعُ حَتَّى يَعْلَمَ جَوَازَ قَتْلِهِ، وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ الطَّاعَةُ لَهُ مَعْصِيَةً لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالظُّلْمِ وَهُنَا الْجَهْلُ بِعَدَمِ الْحِلِّ كَالْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ (وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ) بِالْقَتْلِ (غَيْرَ السُّلْطَانِ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ بِكُلِّ حَالٍ) حَيْثُ عَلِمَ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ بِخِلَافِ مَنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْإِسْلَامِ كَمَا سَبَقَ (وَإِنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ عَلَى قَتْلِ أَحَدٍ أَوْ) أَكْرَهَهُ عَلَى (جَلْدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ) وَفَعَلَ فَمَاتَ الْمَجْلُودُ (فَالْقِصَاصُ) أَوْ الدِّيَةُ (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى السُّلْطَانِ وَالْمُبَاشِرِ كَمَا تَقَدَّمَ.

(لَكِنْ إنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَعْتَقِدُ جَوَازَ الْقَتْلِ دُونَ الْمَأْمُورِ كَمُسْلِمٍ قَتَلَ ذِمِّيًّا أَوْ حُرٍّ قَتَلَ عَبْدًا فَقَتَلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>