فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ اسْتَفَاضَتْ بِتَحْرِيمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ هُنَا فَلَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ عُذْرٌ فِي اعْتِقَادِ إبَاحَتِهِ وَقَدْ عَمَّمَ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ وَأَصْحَابُهُ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ إبَاحَةَ مَا شَرِبُوهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدَاتِ (وَالرَّقِيقِ) إذَا شَرِبَ الْمُسْكِرَ وَكَانَ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا عَالِمًا بِهِ حَدُّهُ (أَرْبَعُونَ) عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً كَالزِّنَا وَالْقَذْفِ (وَلَا حَدَّ وَلَا إثْمَ عَلَى مُكْرَهٍ عَلَى شُرْبِهَا سَوَاءٌ أُكْرِهَ بِالْوَعِيدِ أَوْ بِالضَّرْبِ أَوْ أُلْجِئَ إلَى شُرْبِهَا بِأَنْ يُفْتَحَ فُوهُ) وَيُصَبَّ فِيهِ (الْمُسْكِرُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَصَبْرُهُ) أَيْ الْمُكْرَهِ (عَلَى الْأَذَى أَوْلَى مِنْ شُرْبِهَا وَكَذَا كُلُّ مَا جَازَ فِعْلُهُ لِمُكْرَهٍ) فَصَبْرُهُ عَلَى الْأَذَى أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ (وَلَا) حَدَّ أَيْضًا (عَلَى جَاهِلٍ تَحْرِيمَهَا) لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ (فَلَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ) بِتَحْرِيمِ الْمُسْكِرِ (مَعَ نَشْأَتِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ.
(وَلَا تُقْبَلُ) أَيْ لَا تُسْمَعُ (دَعْوَى الْجَهْلِ بِالْحَدِّ) فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ الْخَمْرَ يُحَرَّمُ لَكِنْ جَهِلَ وُجُوبَ الْحَدِّ بِشُرْبِهِ حُدَّ وَلَمْ تَنْفَعْهُ دَعْوَى الْجَهْلِ بِالْعُقُوبَةِ كَمَا مَرَّ فِي الزِّنَا (وَيُحَدُّ مَنْ احْتُقِنَ بِهِ) أَيْ الْمُسْكِرِ (أَوْ اسْتَعَطَ) بِهِ (أَوْ تَمَضْمَضَ بِهِ فَوَصَلَ إلَى حَلْقِهِ أَوْ أَكَلَ عَجِينًا لُتَّ بِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الشُّرْبِ (فَإِنْ خُبِزَ الْعَجِينُ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزه لَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّ النَّارَ أَكَلَتْ أَجْزَاءَ الْخَمْرِ (وَإِنْ ثُرِدَ فِي الْخَمْرِ أَوْ اصْطَبَغَ بِهِ أَوْ طَبَخَ بِهِ لَحْمًا فَأَكَلَ مِنْ مَرَقه حُدَّ) لِأَنَّ عَيْنَ الْخَمْرِ مَوْجُودَةٌ (وَلَوْ خَلَطَهُ) أَيْ الْمُسْكِرَ (بِمَاءٍ فَاسْتُهْلِكَ) الْمُسْكِرُ (فِيهِ) أَيْ الْمَاءِ (ثُمَّ شَرِبَهُ) لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ بِاسْتِهْلَاكِهِ فِي الْمَاءِ لَمْ يُسْلَبْ اسْمُ الْمَاءِ عَنْهُ (أَوْ دَاوَى بِهِ) أَيْ الْمُسْكِرِ (جُرْحَهُ لَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ شَرَابًا وَلَا فِي مَعْنَاهُ (وَلَا يُحَدُّ ذِمِّيٌّ وَلَا مُسْتَأْمَنٌ بِشُرْبِهِ) أَيْ الْمُسْكِرِ (وَلَوْ رَضِيَ بِحُكْمِنَا لِأَنَّهُ يُعْتَقَدُ حِلَّهُ) وَذَلِكَ شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ.
(وَيَثْبُتُ شُرْبُهُ) أَيْ الْمُسْكِرِ (بِإِقْرَارِهِ) أَيْ الشَّارِبِ (مَرَّةً كَقَذْفٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَتَضَمَّنُ إتْلَافًا بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ (وَلَوْ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ رَائِحَةُ) الْخَمْرِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ (أَوْ) بِ (شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ شَرِبَ مُسْكِرًا وَلَا يَحْتَاجَانِ إلَى بَيَان نَوْعِهِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوجِبُ الْحَدَّ (وَلَا أَنَّهُ شَرِبَهُ مُخْتَارًا عَالِمًا أَنَّهُ مُسْكِرٌ) أَوْ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ (وَلَا يُحَدُّ بِوُجُودِ رَائِحَةِ) الْخَمْرِ (مِنْهُ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ بِهَا أَوْ ظَنَّهَا مَاء فَلَمَّا صَارَتْ فِي فِيهِ مَجَّهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ (وَلَكِنْ يُعَزَّرُ حَاضِرُ شُرْبِهَا) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَبَائِعَهَا وَشَارِبَهَا وَسَاقِيهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ» (وَمَتَى رَجَعَ) الْمُقِرُّ بِالشُّرْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute