للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ تَعَذُّرِ إصَابَةِ الْعَيْنِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَمَكِّنٌ مِنْ ذَلِكَ بِالْوَحْيِ، بَلْ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ الشِّفَاءِ أَنَّهُ رُفِعَتْ لَهُ الْكَعْبَةُ حِينَ بَنَى مَسْجِدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْتُ لَكِنَّ النَّظَرَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الشَّارِحُ بَاقٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُ الْأَصْحَابِ مِنْ إلْحَاقِهِمْ إيَّاهُ بِمَنْ بِمَكَّةَ أَنَّهُ يَضُرُّ انْحِرَافُهُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً عَنْ مِحْرَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِمَّنْ بَعُدَ فَلَا يَضُرُّ انْحِرَافُهُ.

(وَالْبَعِيدُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي وَمِنْ مَكَّةَ يَجْتَهِدُ (إلَى الْجِهَةِ) لِتَعَذُّرِ إصَابَةِ الْعَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ، فَتَقُومُ الْجِهَةُ مَقَامَهَا لِلضَّرُورَةِ (فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ) أَيْ مَعْرِفَةَ مَا هُوَ مَأْمُورٌ بِالتَّوَجُّهِ إلَيْهِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ جِهَةٍ (بِخَبَرِ مُسْلِمٍ ثِقَةٍ مُكَلَّفٍ عَدْلٍ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً (عَنْ يَقِينٍ) مِثْلُ أَنْ يُخْبِرَهُ أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ أَوْ تَغْرُبُ مِنْ جِهَةِ عَيْنِهَا، فَيُعْلَمُ أَنَّ الْجِهَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مُقَابَلَتِهَا مَثَلًا، أَوْ يُخْبِرُهُ أَنَّ النَّجْمَ الَّذِي تُجَاهُهُ الْجَدْيُ فَيُعْلَمُ مَحَلُّ الْقِبْلَةِ مِنْهُ وَنَحْوِهِ، لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا يَجْتَهِدُ كَالْحَاكِمِ يَقْبَلُ النَّصَّ مِنْ الثِّقَةِ وَلَا يَجْتَهِدُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُ كَافِرٍ، وَلَا غَيْرِ مُكَلَّفٍ وَلَا فَاسِقٍ لَكِنْ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ يَصِحُّ التَّوَجُّهُ إلَى قِبْلَتِهِ فِي بَيْتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْإِشَارَاتِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْدِعِ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ هُوَ عَمِلَهَا فَهُوَ كَإِخْبَارِهِ اهـ فَلَوْ شَكَّ فِي حَالِهِ قَبْلَ قَوْلِهِ فِي الْأَصَحُّ وَإِنْ شَكَّ فِي إسْلَامِهِ فَلَا وَإِنَّهُ إذَا أَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُبْدِعِ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ.

(أَوْ) أَمْكَنَهُ مَعْرِفَةُ الْقِبْلَةِ (بِالِاسْتِدْلَالِ بِمَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ) جَمْعُ مِحْرَابٍ وَهُوَ صَدْرُ الْمَجْلِسِ وَمِنْهُ مِحْرَابُ الْمَسْجِدِ وَهُوَ الْغُرْفَةُ وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: لَا يَكُونُ مِحْرَابًا إلَّا أَنْ يُرْتَقَى إلَيْهِ بِدَرَجٍ (لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ) إذَا عَلَّمَهَا لِلْمُسْلِمِينَ، عُدُولًا كَانُوا أَوْ فُسَّاقًا، لِأَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهَا مَعَ تَكْرَارِ الْأَعْصَارِ إجْمَاعٌ عَلَيْهَا وَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهَا قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَلَا يَنْحَرِفُ لِأَنَّ دَوَامَ التَّوَجُّهِ إلَيْهِ كَالْقَطْعِ.

(وَإِنْ وَجَدَ مَحَارِيبَ) بِبَلَدٍ خَرَابٍ (لَا يَعْلَمُهَا لِلْمُسْلِمِينَ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهَا) لِأَنَّهَا لَا دَلَالَةَ فِيهَا، لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا آثَارُ الْإِسْلَامِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْبَانِي مُشْرِكًا، عَمِلَهَا لِيَغُرَّ بِهَا الْمُسْلِمِينَ قَالَ فِي الشَّرْحِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ هَذَا الِاحْتِمَالِ وَيَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ أَنَّهُ مِنْ مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ فَيَسْتَقْبِلهُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَهَا لِلْكُفَّارِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِهَا لِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يُرْجَعُ إلَيْهِ فَمَحَارِيبُهُمْ أَوْلَى.

وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: إذَا عُلِمَتْ قِبْلَتُهُمْ كَالنَّصَارَى إذَا رَأَى مَحَارِيبَهُمْ فِي كَنَائِسِهِمْ، عُلِمَ أَنَّهَا مُتَقَبِّلَةٌ لِلْمَشْرِقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>