النَّوَوِيُّ رَوَيْنَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ " أَدْرَكْتُ عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْأَلُ أَحَدُهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَيَرُدُّهَا هَذَا إلَى هَذَا وَهَذَا إلَى هَذَا حَتَّى تَرْجِعَ إلَى الْأَوَّلِ " وَفِي رِوَايَةٍ " مَا مِنْهُمْ مَنْ يُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ إلَّا وَدَّ أَنَّ أَخَاهُ كَفَاهُ إيَّاهُ وَلَا يُسْتَفْتَى عَنْ شَيْءٍ إلَّا وَدَّ أَنَّ أَخَاهُ كَفَاهُ الْفُتْيَا " (وَأَنْكَرَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ يَهْجُمُ عَلَى الْجَوَابِ) لِخَبَرِ «أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ» .
(وَقَالَ) أَحْمَدُ (لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجِيبَ فِي كُلِّ مَا يُسْتَفْتَى فِيهِ وَقَالَ: إذَا هَابَ الرَّجُلُ شَيْئًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنْ يَقُولَ وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُعَرِّضَ نَفْسَهُ لِلْفُتْيَا حَتَّى يَكُونَ فِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ إحْدَاهَا: أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ) أَيْ أَنْ يُخْلِصَ فِي ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يَقْصِدُ رِيَاسَةً وَلَا نَحْوَهَا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نُورٌ وَلَا عَلَى كَلَامِهِ نُورٌ) إذْ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى (الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ لَهُ حِلْمٌ وَوَقَارٌ وَسَكِينَةٌ) وَإِلَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ فِعْلِ مَا تَصَدَّى لَهُ مِنْ بَيَانِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ (الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا عَلَى مَا هُوَ فِيهِ وَعَلَى مَعْرِفَتِهِ) وَإِلَّا فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِعَظِيمٍ (الرَّابِعَةُ: الْكِفَايَةُ وَإِلَّا أَبْغَضَهُ النَّاسُ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ كِفَايَةٌ احْتَاجَ إلَى النَّاسِ وَإِلَى الْأَخْذِ مِمَّا فِي) أَيْدِيهِمْ، فَيَتَضَرَّرُونَ مِنْهُ (الْخَامِسَةُ: مَعْرِفَةُ النَّاسِ أَيْ يَنْبَغِي لَهُ) أَيْ لِلْمُفْتِي (أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بِمَكْرِ النَّاسِ وَخِدَاعِهِمْ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ بِهِمْ بَلْ يَكُونُ حَذِرًا فَطِنًا مِمَّا يُصَوِّرُونَهُ فِي سُؤَالَاتِهِمْ) لِئَلَّا يُوقِعُوهُ فِي الْمَكْرُوهِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ «احْتَرِسُوا مِنْ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ وَاخْبَرْ أَخَاكَ الْبَكْرِيَّ وَلَا تَأْمَنْهُ» .
وَالْمُفْتِي مَنْ يُبَيِّنُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ وَيُخْبِرُ بِهِ مَنْ غَيْرِ إلْزَامٍ (وَالْحَاكِمُ يُبَيِّنُهُ) أَيْ الْحُكْم الشَّرْعِيَّ (وَيُلْزِمُ بِهِ) فَامْتَازَ بِالْإِلْزَامِ قَالَ الْخَطِيبُ: وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَصَفَّحَ أَحْوَالَ الْمُفْتِينَ فَمَنْ صَلَحَ لِلْفُتْيَا أَقَرَّهُ وَمَنْ لَا يَصْلُحُ مَنْعَهُ وَنَهَاهُ أَنْ يَعُودَ وَتُوَاعَدَهُ بِالْعُقُوبَةِ إنْ عَادَ، وَطَرِيقُ الْإِمَامِ إلَى مَعْرِفَةِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى أَنْ يَسْأَلَ عُلَمَاءَ وَقْتِهِ وَيَعْتَمِدُ أَخْبَارَ الْمُوَثَّقِينَ بِهِمْ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: مَا أَفْتَيْتُ حَتَّى شَهِدَ لِي سَبْعُونَ أَنِّي أَهْلٌ لِذَلِكَ.
وَفِي رِوَايَةٍ مَا أَفْتَيْتُ حَتَّى سَأَلْتُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي هَلْ تَرَانِي مَوْضِعًا لِذَلِكَ؟ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ أَهْلًا لِشَيْءٍ حَتَّى يَسْأَلَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ.
(وَيَحْرُمُ أَنْ يُفْتِي فِي حَالٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكِمَ فِيهَا كَغَضَبٍ وَنَحْوِهِ) كَحَرٍّ (مُفْرِطٍ وَبَرْدٍ مُفْرِطٍ وَمَلَلٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُغَيِّرُ) الْفِكْرَ (فَإِنْ أَفْتَى) فِي ذَلِكَ الْحَالِ (وَأَصَابَ) الْحَقَّ (صَحَّ) جَوَابُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute